ماذا لو لم يكن وعد بلفور؟
لا بد أن يكون فينا من يتذكر كيف نُكبت أحلامنا في وعد بلفور، كيف تَغيرت ملامح الوطن وأصبح الغريب بيننا، بعد ذلك نذهب للأجداد؛ نقطف حبات الزيتون، ونسأل!!
أي الأشجار أحب إليك يا جدي، أي الأشجار هي الأقدم يا جدي؟ أي الأشجار باسمي؟... كل الأشجار حبيباتي الجميلات، هن بعمر الورد يا ولدي 100 عام، هذه فلسطين، وهذه حيفا، ويافا، والقدس، ويبنا، هذه أنت يا أقصى.
لماذا نحن يا جدي؟ لا نقوى الفراق؟ انتفاضات ودمار، قتل وسرقة أراضي، حروب تجويع، نزيف دماء في صبرا وشاتيلا، جباليا ورفح، إبادة شعب وحرق منازل، ونسف مباني سكنية، وتهجير وتصفية قضية، لكن نحب كل ثراك، أطفال ونساء وشيوخ عجز، أسرى ومرضى، لماذا نحن؟!.... يا ولدي أوتعلم كيف يموت الفلسطيني؟!
يستشهد مثل عمك "عائد" مدافعاً عن البيت والعرض وشجرة الزيتون، أو مثل جدك "أبي" يستشهد وهو يدافع عن بلاد هجرنا منها، وأعيش يتيماً أحن أبي وأشتاق اللعب في بيارة البرتقال بيافا، وأكره اثنين بلفور ونتنياهو.... سأعود إلى "بلفور" يا جدي، سأقرع رأسه، وأشد شعره، وأقول له :" يا بلفور خذهم لبلادك، قتلوا الأجداد والأعمام وقلعوا الزيتون"... سأكبر وأكبر لن أنسى بلادي، زيت الزيتون يذكرني.
هذه المشاهد الدرامية الدراماتيكية متسارعة، نقلها الأجداد للأبناء والأحفاد، أصبح مخزون ثورة، فمنذ وعد بلفور والفلسطيني في عناء قتل كل صاحب أرض وعلى الهواء مباشر، اليوم يصادف سبع سنوات بعد المئة على قرار توطين اليهود في أرض فلسطين، صفقة القرن الأول والخنجر المسموم في الخاصرة "وعد بلفور المشؤوم"، الكل شاهد الجريمة كاملة وتخاذل منذ ذاك الحين حتى حرب غزة 2024؛ والآن داخل سجن كبير وفي خيام، يهندس قتلنا؛ بعد أن جعل منا شواخص للقتل.
بين وعد بلفور وحرب غزة 2023-2024
خلال العام الماضي وتحديداُ يوم السابع من أكتوبر 2023، اشتعلت شرارة حرب غزة، فقد كانت تلك الحرب نتيجة مباشرة لسياسات الإجرام والقتل والإعدام، والحصار والتضييق، التهميش، والتوسيع الاستيطاني، وتصفية القضية الفلسطينية.
وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، أرسل وزير خارجية بريطانيا في تلك الفترة، آرثر جيمس بلفور، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك، لتُعرف فيما بعد باسم "وعد بلفور".
وبموجب هذه الرسالة منحت الحكومة البريطانية حقًا مزعومًا لليهود في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، وفقًا للمقولة المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وطن قومي لليهود!جاء في نص الرسالة: إن "حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".
وتابعت:"على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
يذكر أن بريطانيا حكمت فلسطين بين عامي 1923 و1948، معززةً من حركة الهجرة اليهودية من الدول الأوروبية والعالم باتجاه فلسطين، وزيادة عمليات التدريب للجماعات الصهيونية وتسليحها.
السرد التاريخي من وعد بلفور إلى الاستيطان
1947 - قرار التقسيم
- في نوفمبر 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يقضي بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتأسيس دولتين: واحدة عربية وأخرى يهودية، مع إدارة دولية لمدينة القدس، رغم موافقة 33 دولة، إلا أن القرار قوبل بالرفض من قبل 13 دولة وامتناع 10 دول عن التصويت، هذا القرار كان بمثابة الشرارة التي أطلقت سلسلة من الأحداث الدامية.
1948- عام النكبة
- في أعقاب قرار التقسيم، بدأت العصابات الصهيونية حملة تهجير واسعة أدت إلى نزوح حوالي 750 ألف فلسطيني، تم تهجير الفلسطينيين بشكل قسري، مما أسفر عن فقدانهم لأراضيهم ومواردهم، هذا التهجير لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان بداية لمعاناة مستمرة للشعب الفلسطيني، والذي شهد تدمير قراه ومدنهم.
1956 - العدوان الثلاثي
- في 29 أكتوبر 1956، شنت القوات الإسرائيلية، مدعومة من قبل بريطانيا وفرنسا، هجومًا على غزة وصحراء سيناء، كانت دوافع هذا العدوان مرتبطة بجهود جمال عبد الناصر لتأميم قناة السويس ودعمه للفدائيين الفلسطينيين، هذه الحرب عززت الشعور بالتهديد لدى الفلسطينيين وزادت من القلق الدولي بشأن الوضع في المنطقة، الذي سرعان ما تبخر.
1967 - حرب الأيام الستة
- في يونيو 1967، شنت إسرائيل هجومًا مفاجئًا على جيرانها، مما أدى إلى احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية، بالإضافة إلى أراض عربية أخرى، أسفرت الحرب عن استشهاد نحو 25 ألف عربي، ونزوح حوالي 300 ألف فلسطيني، هذا الاحتلال كان له تأثير عميق على الفلسطينيين، حيث زادت القيود العسكرية وتعميق سياسة الاستيطان.
1987- انتفاضة الحجارة
- في ديسمبر 1987، اندلعت الانتفاضة الأولى، التي كانت رد فعل على التوترات المتزايدة، استخدم الفلسطينيون الحجارة كسلاح رئيسي ضد الاحتلال، وقد قوبلوا بالقمع الشديد، هذه الانتفاضة كانت تعبيرًا عن رغبة الفلسطينيين في التحرر من قيد المحتل.
1993- اتفاق أوسلو
- في سبتمبر 1993، وُقع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والذي نص على إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطيني، السلطة الفلسطينية، وانسحاب جزئي لإسرائيل؛ لم تلتزم به.
2000 -انتفاضة الأقصى
- في سبتمبر 2000، اندلعت الانتفاضة الثانية، والتي بدأت باقتحام المسجد الأقصى. هذه الانتفاضة كانت أكثر دموية من سابقتها، حيث شهدت تصاعدًا في الإجرام بحق أصحاب الأرض، مع مقتل آلاف الفلسطينيين والإسرائيليين.
2023 -حرب غزة
- حرب الإبادة في 2023، بعد تصاعد الإذعان الإسرائيلي على غزة أدى إلى وقوع العديد أكثر من 43 ألف شهيد، بينما ردت الفصائل الفلسطينية بمقاومة الاحتلال، هذه الحرب ليست نزاع عسكرياً، بل هي استمرار لحلقة من التصفية المستمرة الذي بدأت بوعد بلفور.
وعد بلفور بداية حقبة سوداء
لم يُشكل وعد بلفور بداية مرحلة جديدة في تاريخ فلسطين، بل أسس أيضًا لعقود من الاحتلال والقتل والتشريد للفلسطينيين على أيدي الاحتلال، في السنوات التي تلت ذلك، شهدت فلسطين هجرات جماعية لليهود، مما أدى إلى تصاعد التوترات والحروب، توالت الحروب والهجمات الإسرائيلية والجرائم المتواصلة على مر السنين، وزادت سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وتوسع الاستيطان الإسرائيلي بشكل كبير،
- بات عدد الإسرائيليين في المنطقة ج التي تبلغ 64 في المئة من الضفة الغربية يفوق عدد الفلسطينيين، وذلك بعد استثناء القدس.
- في القدس، قد تراجع عدد الفلسطينيين ليشكل ما يقرب 40 في المئة، وبعد ضم إسرائيل لمستوطنات كثيرة حول القدس إلى بلديتها عام 2020 بات السكان الإسرائيليون يشكلون 60 في المئة.
- وقد سحبت وزارة الداخلية الإسرائيلية حق أكثر من 15 ألف فلسطيني من سكان القدس الإقامة فيها، إذ أن الحكومة الإسرائيلية تعتبر جميع سكان القدس من العرب رعايا مقيمين وليسوا مواطنين في المدينة.
- أما في الأغوار فقد عملت إسرائيل على تهجير كثير من السكان البدو والمزارعين من المناطق التي حولتها إلى مزارع.
- ووفق إحصاء رسمي للسكان أصدرته الحكومة الإسرائيلية نهاية 2023، فإن عدد المستوطنين قفز إلى 517 ألفا و407، وهو ما يتماشى مع خطة تغيير الواقع الديموغرافي في الضفة فيما بات يُعرف بخطة المليون مستوطن، والتي يجري العمل على تطبيقها من خلال تجهيز البنية التحتية التي تخدم المستوطنين.
- وتشير استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى تزايد الدعم الشعبي للاستيطان في الضفة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول لمنع قيام دولة فلسطينية.
- وحسب تقديرات إسرائيلية، يقيم أكثر من 700 ألف إسرائيلي في بؤر استيطانية بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
- يشهد الاستيطان في الضفة، بما فيها القدس، ارتفاعا ملحوظا منذ وصول الحكومة اليمينية الراهنة إلى الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2022.
حرب الإبادة الجماعية 2023
في العام 2023، نشبت حرب إسرائيلية في غزة يمارس فيها جرائم العصر الحديث ومباشر أمام الجميع المتخاذل، والتي يمكن فهمها من خلال العدسة التاريخية لوعد بلفور وما تلاه من أحداث، مع الإشارة إلى أن الأوضاع المعيشية في غزة كانت متدهورة بالفعل، نتيجة الحصار المستمر والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية المتكررة، مما خلق بيئة من التوترات المتزايدة، واشتعال فتيل حرب شعواء لم تتوقف منذ عام وشهر.
وفي قراءة المشهد، يمكن أن نرى أن وعد بلفور كان بمثابة الشرارة التي أطلقت سلسلة من الأحداث التي أدت إلى الحروب المستمرة، والتي لا تتعلق فقط بحقوق الأرض، بل تتعلق بالهوية والتاريخ، والمعاناة التي عاناها الفلسطينيون على مر السنين، هي ليست مجرد أحداث وليدة الصدفة، بل هي جزء من تاريخ طويل من التخطيط لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير السكان الأصليين.
يقول الحاج محمد إسماعيل 70 عاماً، نازح من مدينة غزة إلى خانيونس منذ عام: "بدون وعد بلفور، لما كنا هنا في خيمة وأجواء باردة، هذا اليوم أخذوا قرار اعطاء أرضنا لليهود، وها هم طردونا منها".
يضيف الحاج محمد: لو لم تكن دولة الاحتلال الطارئة، لما تدمرت بيوتنا وأرزاقنا، ولما قتل أطفالنا ونساؤنا، هذه هي سياسة الاستيطان والسلب، التاريخ يعيد نفسه، كما هاجر آباؤنا نحن هجرنا من بيوتنا ولا نعلم أين نذهب"، رافعاً يديه في السماء " اللهم عليك ببلفور، وما جاء به".
فيما يلي تلخيص للواقع الفلسطيني بعد 76 عام على النكبة و107 على وعد بلفور
- بلغ عدد الفلسطينيين الاجمالي في العالم 14.6 مليون نسمة مع مطلع العام 2024، منهم 7.6 مليون فلسطيني (52%) في ارض فلسطين بواقع 3.2 في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، و2.3 مليون، في قطاع غزة، و2.1 مليون في الداخل المحتل،
- تجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) 6.4 مليون لاجئ، موزعين في 58 مخيماً رسمياً في الأقاليم العربية وفلسطين، منهم 2.1 مليون في 19 مخيماً في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة،
- بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ النكبة عام 1948 وحتى اليوم أكثر منة 141 ألف شهيد، منهم أكثر من 43,314 شهيد و 102,019 اصابة خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى نوفمبر 2024، حسب صحة غزة منذ 393 يوم حرب على قطاع غزة.
- بلغ عدد من غادروا قطاع غزة إبان حرب 2023 ما يقرب من 100 ألف فلسطيني.
- بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتى شباط 2024، أكثر من 9100 اسير، وهم جزء من أكثر من مليون حالة اعتقال منذ قام بها الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967، منهم 25 مأسوراً في سجون الاحتلال منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمن،
الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي:
- عدد مواقع المستوطنات 199، وتحتل 545 كم مربع، منها 18 مستوطنة في القدس الشرقية المحتلة،
- عدد مواقع البؤر الاستيطانية 260،
- عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر من 954،000 مستوطن، منهم 350،000 (36.7%) في القدس الشرقية المحتلة.
- عدد القواعد العسكرية لجيش الاحتلال 210، وتحتل 45 كم مربع،
- عدد المنازل والمنشئات التي دمرها الاحتلال منذ العام 1967 وحتى اليوم أكثر من 25 ألف، منها أكثر من 8100 منزل ومنشاة خلال العقد المنصرم (بما في ذلك 1443 منها بتمويل من دول مانحة)، مع الإشارة بان هذه الارقام لا تشمل المنازل والمنشئات التي دمرها الاحتلال خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى اليوم،
- مساحة الأراضي المصادرة لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري 1،016 كم مربع (18%) من مساحة الضفة الغربية،
- مساحة الأراضي المعزولة خلف الجدار الفاصل 771 كم مربع (12.5%) من مساحة الضفة الغربية،
- مساحة الأراضي المصادرة تحت مسمى محميات طبيعية 705 كم مربع (12.4%) من مساحة الضفة الغربية
شهادات أهل الأرض الأصليين
ماذا لو لم يكن بلفور عن المشهد؟!
الكبار يموتون..والصغار ينسون، عبارة أطلقها بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي، لم ينسى الصغار ولا الكبار؛ هم أبناء الأرض المجبولة بدماء الشهداء؛ فكيف ينسون،
علاقة حرب غزة بوعد بلفور تعكس التاريخ الطويل من المعاناة التي يعاني منها الفلسطيني، وما زالت الأجيال تعاني في مواجهة آثار بلفور المشؤوم.
يقول المؤرخ الفلسطيني، الدكتور وليد الخالدي: "لو لم يكن وعد بلفور موجودًا، لكان للعرب الفلسطينيين فرصة أكبر لتشكيل هوية سياسية قوية"، إذن، كان من المحتمل أن تصبح فلسطين دولة ذات سيادة في ثلاثينيات القرن الماضي، تتبنى سياسات تعزز من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في سياق آخر، كان غياب وعد بلفور يعني أيضًا غياب الهجرات اليهودية الكبيرة إلى فلسطين، خلال السنوات التي تلت إصدار الوعد، هاجر الآلاف من اليهود إلى فلسطين، مما أدى إلى تغييرات ديمغرافية كبيرة.
ومع ذلك، لو لم يحدث ذلك، لكان عدد السكان اليهود في فلسطين ظل ثابتًا، مما يعني أن المجتمع الفلسطيني كان سيحتفظ بتنوعه الغني كما كان قبل ذلك، بناء على التقديرات السكانية التي أعدها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، هناك حوالي 14.8 مليون فلسطيني في العالم منتصف عام 2024 نصفهم خارج فلسطين التاريخية، إذ بلغ عددهم نحو 5.61 مليون فلسطيني في دولة فلسطين، منهم 2.85 مليون ذكر و2.76 مليون أنثى، و1.8 مليون في اراضي عام 1948، كما تشير التقديرات الى ان عدد الفلسطينيين في الشتات قد بلغ نحو 7.4 مليون منهم 6.3 مليون في الدول العربية.
تشير المعطيات انه عشية عدوان الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة يوم السابع من اكتوبر من العام 2023 كان يقيم في قطاع غزة نحو 2.2 مليون فلسطيني على مساحة قدرها 365 كم2 يمثلون نحو 41% من سكان دولة فلسطين، معظمهم لاجئون (66% منهم لاجئون) هجروا من قراهم ومدنهم اثر حرب عام 1948، ويتوزع سكان القطاع على 5 محافظات فلسطينية تشكل قطاع غزة، ووفق تقديرات منتصف عام 2023 يقيم نحو 1.2 فلسطيني في محافظتي شمال غزة (جباليا) وغزة، (ما يعرف بشمال وادي غزة) في حين يقيم المليون المتبقي في محافظات خانيونس ودير البلح ورفح.
وفقًا للإحصائيات، في عام 1948، كان عدد اليهود في فلسطين قد زاد إلى حوالي 600,000 نسمة، لو لم يكن هناك وعد بلفور، لكان هذا الرقم مختلفًا تمامًا، مما يعني أن الأرض لم تكن لتشهد الصراع المستمر الذي نشأ نتيجة لتزايد الحروب حول الأرض والسيطرة.
السياق التاريخي: ما قبل وعد بلفور
نعود بالزمن إلى فترة مؤتمر هرتزل عام 1897، حيث بُذلت الجهود لتأسيس حركة صهيونية سياسية تهدف إلى إنشاء وطن قومي لليهود، كانت هذه الحركة تتغذى على الشعور بالاضطهاد الذي عانى منه اليهود في أوروبا، واعتبرت فلسطين المكان الطبيعي لعودتهم.
خلال هذا السياق، تتداخل خيانات القوى العظمى، حيث لعبت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا دورًا كبيرًا في تحديد مصير المنطقة، في عام 1916، وقعت اتفاقية سايكس-بيكو، التي قسمّت أراضي الدولة العثمانية، مما أدى إلى تجاهل المطالب العربية في حق تقرير المصير، جاء وعد بلفور كخطوة لاحقة، إذ لم يُحترم حق العرب في وطنهم، مما جعلهم يشعرون بالخيانة من قبل القوى التي وعدتهم بالاستقلال.
في سياق حديثنا عن وعد بلفور المشؤوم ومن قبل مؤثمر بازل، نجد أن الحروب مع إسرائيل ليست مجرد حدث طارئ، بل هي جزء من تاريخ طويل من الصراع الذي لم ينته بعد، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل فلسطين والهوية الفلسطينية في ظل تطبيع عربي مذل وعالم متخاذل يتمشق بالحقوق والعدالة متناسياً أيديه الملطخة بالدماء.
لو لم يكن وعد بلفور موجودًا، وإذا تخيلنا أن التاريخ كان يمكن أن يسير في اتجاه آخر، فبكل تأكيد سيكون أجمل بدون هذا السرطان السام المسمى "إسرائيل" والتي تفتك بكل ما هو فلسطيني، حتى وأنا أكتب التقرير الصحفي لم تتوقف الغارات والجرائم على غزة.
وعد بلفور هو وعدمن لا يملك لمن لا يستحق
الحاج محمد غياض يقول لخبر 24:"ما يعلمه الفلسطيني، أنه الوحيد القادر على كتابة التاريخ بنفسه وكما يجب أن يكون، ولن ينسى تاريخه النضالي، وأن حق العودة هو حق مقدس ولا يمكن التنازل عنه، سيحمل علم فلسطين ويرفعه فوق مآذن القدس الشريف كما قال الزعيم الراحل أبو عمار".
أما عن فصول الحكاية الفلسطينية فهي لم تنتهي بعد، أدرك العالم أن قضية الشعب لم تكن يوماً هامشاً، هي قصة مكتوبة بدماء الشهداء يروي سطورها جيل بعد جيل، بصوت البارود والفن والشعر والتراث الفلسطيني يردد "على هذه الأرض ما يستحق الحياة، على هذه الأرض سيدة الأرض أم البدايات وأم النهايات"، أصحاب الأرض الأصليين؛ ليسوا طارئاَ أو تتار هذا!
"سيأتي زمانٌ يبتسم فيه العائدون إلى فلسطين، كأنهم لم يغادروا أبدًا."
- محمود درويش