كيف محت "الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة" 25 ألف فلسطيني من سجلات السكان بجرة قلم؟

كيف محت "الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة" 25 ألف فلسطيني من سجلات السكان بجرة قلم؟

مئات آلاف الفلسطينيين حرموا مواطنتهم

 140 الفاً من المواطنين الفلسطينيين من الضفة الغربية ألغت إسرائيل مواطنتهم منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عقب حرب عام 1967، بمن فيهم أكثر من 25 ألفاً عام 1994 بحيلة بيروقراطية ماكرة، هذا ما ذكرته الصحفية الإسرائيلية عميرة هاس، واحدة من أشد المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، في مقال لها في صحيفة هآرتس.

في خضم كل هذا، بين كانون الثاني/ يناير إلى تشرين الأول/ أكتوبر عام 1994، صنّفت الإدارة المدنية التابعة للحكومة الإسرائيلية والمعنية بإدارة شؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من 25 ألف فلسطيني من الضفة الغربية على أنهم "لم يعودوا مقيمين". ولم يكن واضحاً سبب القرار وما إذا كان قراراً سيادياً أو غير ذلك.

تعتقد هاس أن هذه الأسماء حذفت قبل نقل السجلات المدنية من الإدارة المدنية الإسرائيلية إلى السلطة الفلسطينية، لافتةً إلى أن "البيروقراطيين المدنيين والعسكريين سارعوا إلى التخلص من أكبر عدد ممكن من السكان الفلسطينيين المدرجين في سجلات السكان".

قبل ذلك، عام 1993، صنفت إسرائيل 2.475 فلسطيني من الضفة الغربية على أنهم "لم يعدوا مقيمين"، وفق أرقام قدمتها "COGAT"، وهي وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية في المناطق، الشهر الماضي.

من الردود الرسمية التي قدمت إلى "هموكيد"، أي مركز الدفاع عن الفرد وهو منظمة حقوقية إسرائيلية، وفق قانون حرية تداول المعلومات، يتضح أنه علاوةً على الـ140 ألفاً من سكان الضفة الغربية الذين سُلبت مواطنتهم منهم بين عامي 1967 و1994، سحبت إسرائيل الإقامة من 108.878 فلسطيني من قطاع غزة ونحو 14000 من سكان القدس الشرقية.

يعني هذا أن نحو ربع مليون فلسطيني سافروا إلى الخارج ولم يعودوا إلى ديارهم في الوقت الذي خصصته لهم إسرائيل، والحديث لا يزال لهاس، "لم يعودوا مقيمين". وذلك، بغض النظر عن عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين صودف وجودهم خارج الضفة الغربية وغزة حين اندلعت حرب عام 1967، أو فروا بسبب الحرب، ولم يُدرجوا في سجلات السكان التي سيطرت عليها إسرائيل. يضاف كل ما سبق إلى الطرد الجماعي الذي تعرض له الفلسطينيون عام 1948.

"مصطلح بيروقراطي معناه الطرد"

قالت هاس إن هذا التعبير: "لم يعودوا مقيمين" -الذي وصفته بأنه "مصطلح صاغه بيروقراطيون تافهون"- حين يستخدم مع الفلسطينيين، فإن معناه الحقيقي بالعبرية هو "الطرد"، مشددةً على أنه "عمل مخالف للقانون الدولي". وسخرت الصحافية الإسرائيلية من إسرائيل التي يروج لها ساستها عادةً على أنها "الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، متسائلةً: "لكن منذ متى كان يزعجنا ذلك؟"، في إشارة إلى مخالفة القانون الدولي.

في حين شددت على أن عيش المواطنين الإسرائيليين -اليهود والفلسطينيين- في الخارج لا ينفي عنهم مواطنتهم، وإن كانوا لا يحصلون على حقوق الرعاية الاجتماعية التي يتمتع بها المقيم. وبيّنت أن إجراءات إسرائيل لإلغاء المواطنة يحرم هؤلاء وأطفالهم من بعدهم من زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة وإعادة التوطين فيها.

وأوضحت أن إلغاء إقامة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وحتى القدس الشرقية، "ليس مجرد مسألة تجميد الحق في الرعاية الصحية المناسبة مثلاً، إنما يعني حرمان المرء من حقه الطبيعي في العودة إلى وطنه وتوريث هذا الحق لأولاده". ونبهت في السياق ذاته إلى صعوبة ممارسة من "لم يعودوا مقيمين" وأطفالهم حق زيارة بلادهم بسبب "قوانين الدخول السيئة في إسرائيل".

السلطة الفلسطينية متقاعسة؟

وكان الفلسطينيون قد طالبوا بإعادة تكييف وضع كل من "لم يعودوا مقيمين" خلال مفاوضات اتفاقية أوسلو. وتنص الفقرة 28 من المادة (3) من الاتفاقية المؤقتة على أنه "سيتم تشكيل لجنة مشتركة لحل إعادة إصدار بطاقات الهوية لأولئك السكان الذين فقدوا بطاقاتهم الشخصية".

يبدو أن الفلسطينيين ظنوا أن لا جدال بين الطرفين حول الجوهر: حق هؤلاء الأشخاص في العودة. لكن ممثليهم اكتشفوا خلال المفاوضات أن التفسيرات اختلفت. عام 2000، بدأت اللجنة المشتركة عملها قبل أن تتوقف مع اندلاع الانتفاضة الثانية، في أيلول/ سبتمبر من نفس العام. وفق إفادات متكررة من مكتب تنسيق الحكومة الإسرائيلية في المناطق: "حتى يومنا هذا لم تطلب السلطة الفلسطينية تجديد نشاط اللجنة". الجهة المنوط بها المطالبة بتجديد نشاط اللجنة هي وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية.

بعيداً عن عمل اللجنة، فمنذ عام 1995 جرى تجديد وضع الإقامة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين أدرج بعضهم في إطار "الحصة الممنوحة لمعاوني الرئيس (آنذاك ياسر عرفات) وأعضاء التنظيمات الفلسطينية"، بحسب الردود الإسرائيلية الرسمية. في غضون ذلك، استعاد البعض وضع الإقامة عبر دعاوى قضائية، فيما نجح آخرون، بعد صراع مرهق وطويل ومكلف، في استعادة وضع إقامتهم برقم هوية جديد في إطار إجراء "لم شمل الأسرة"، الذي جُمّد عام 2000.

وختمت هاس بالإشارة إلى أن "أحد الجوانب الإيجابية القليلة لاتفاقيات أوسلو هو أن إسرائيل، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1994، لم تعد لديها أداة قانونية تسمح لها بإلغاء وضع الإقامة للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية".

وتأتي هذه الإجراءات الإسرائيلية ضمن مخطط "تطهير رقي" أوسع تنتهجه دولة الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني، جنباً إلى جنب مع ضم الاراضي الفلسطينية إلى سيادتها المزعومة وحرمان سكان هذه الأراضي من جنسيتها أو أية حقوق مترتبة لهم نتيجة الضم، بالإضافة إلى الاستيلاء على ممتلكات الفلسطينيين داخل مناطق سيطرتها بذريعة أنها كانت مملوكة لمواطنين يهود قبل النكبة، وأخيراً وليس آخرا تذويب القدس فس حدود سيادتها عبر إعطاء الشباب جنسيتها.