معاريف: يمكن إعادة احتلال فيلادلفيا ونتساريم، وقتل اسرى سيتحررون، ولكن لا يمكن إحياء مخطوفين سيقتلون
معاريف: يمكن إعادة احتلال محوري فيلادلفيا ونتساريم، وقتل السجناء الذين سيتحررون، ولكن لا يمكن إحياء المخطوفين القتلى
بقلم: ألون بن دافيد / معاريف
نحن في ذروة الأيام الأكثر نجاحاً لإسرائيل منذ بداية الحرب، وكذا الأخطر منذ 7 أكتوبر. ففي أقل من شهر، صفت إسرائيل القادة العسكريين لحماس وحزب الله، الزعيم السياسي لحماس (حسب منشورات أجنبية)، وأحرقت ميناء الحديدة في اليمن.
يمكن مراجعة نجاعة ووزن كل عملية كهذه على حدة والجدال في قيمتها، لكن لهذه السلسلة ثر متراكم. لكن إسرائيل – التي بدت منذ أكتوبر كطفل مستهدف في الحارة، يضربه كل من هب ودب – استعادت شيئاً ما من الصورة الرادعة التي كانت لها.
لكن إعادة اكتساب الصورة الرادعة كان لها ثمن، وسنعرف قريباً إذا كان يستحق هذا. فهل كان من الصواب، بعد ساعات من تصفية رئيس أركان حزب الله في بيروت، وتصفية زعيم حماس أيضاً في طهران (مثلما ينسب لإسرائيل)؟ ثمة من سيقولون إن هنية كان شخصية عديمة النفوذ، والمخاطرة برد إيراني لا تبرر تصفيته في هذا الوقت.
وسيدعي آخرون بأن فرصة كهذه تقع مرة كل بضع سنوات، ومن أعلن حرب الإبادة على حماس لم يكن ليتجاوز الأمر.
الهجوم في بيروت رفع إسرائيل إلى مسار قد يؤدي إلى صدام واسع مع حزب الله، رغم أن الطرفين غير معنيين به. إسرائيل ستصمد في تبادل الضربات مع حزب الله، وكذا في حرب واسعة مع المنظمة، لكن السؤال الذي ينبغي أن نسأله لأنفسنا هو: بأي ثمن وما الإنجاز الذي سيحققه؟
مسألة توقيت
سلسلة من كبار المسؤولين (في الاحتياط) امتثلت هذا الأسبوع في الأستوديوهات وادعت بأنها اللحظة المناسبة للخروج إلى حرب مع حزب الله. لست مسؤولاً كبيراً ولم أعد في الاحتياط، لكنني ألتقي الجيش الإسرائيلي بعد عشرة أشهر من الحرب، في الجنوب وفي الشمال، وأقترح التفكير جيداً بالأفكار الحماسية التي لم نحققها بعد. بات الجيش الإسرائيلي في آب 2024 تعباً. هو مليء بالمقاتلين الرائعين ذوي التجربة القتالية، لكنهم منهكون مثلما كان يمكن لكل شخص أن يكون تعباً بعد عشرة أشهر من القتال المكثف في عدة جبهات. إذا ما اضطروا للقتال في لبنان، فسيمثلون وسيعطون كل ما لديهم، لكنهم لن يكونوا في أفضل حال لهم.
من ناحية التوقيت أيضاً، الذي يدعي الخبراء بأنه الآن، لن توقع إسرائيل مفاجأة ذات مغزى على حزب الله. المنظمة على وعي بتفوق إسرائيل الاستخباري والجوي وتستعد بما يتناسب مع ذلك. يمكننا ضرب قدرات حزب الله وإيلام سكان لبنان، لكن سيؤلمنا نحن أيضاً، ولن نتمكن في نهاية الحرب من إبادة حزب الله، ولن تكون سوى جولة أخرى.
وبالطبع مسألة الذخائر حاضرة. يمكنني أن أقول أمرين: إن الجيش الإسرائيلي تعلم في عشرة أشهر الحرب بأن استهلاك الذخائر أعلى بكثير من كل ما خطط له، وأن المسؤولين الأمريكيين قالوا صراحة لنظرائهم الإسرائيليين – “لا تأخذوا الرئيس الأمريكي على سبيل الأمر المسلم به”.
عائق فيلادلفيا
الولايات المتحدة تقول لنا ما يصعب على رئيس وزرائنا أن يراه بنفسه: صفقة مخطوفين، التي سبق أن وافق عليها، ستمنع حرباً وتهدئ المنطقة. الأمريكيون مؤدبون، لكن النص الكامن في حديثهم هو: وافقتم على صفقة وتراجعتم عنها، والآن تريدون أن ننجر وراءكم إلى حرب إقليمية؟
من حديث الصراخ الذي أجراه رئيس الوزراء الأسبوع الماضي مع قادة جهاز الأمن، خرج قادة الجهاز بإحساس واضح، بأنه اتخذ قراراً بارداً بالتخلي عن المخطوفين، وأنه غير معني إلا باستمرار الحرب. بعد أن انكشفت مضامين الحديث، بدا أن رئيس الوزراء تراجع قليلاً عن رأيه، وخفف التحفظات التي وضعها كي يمنع صفقة مخطوفين.
بعد أن وافق على إخلاء تام لمحور نتساريم، فإن مطلب نتنياهو الجديد لإجراء تفتيش لمن يمرون من شمال القطاع جاء لإفشال الصفقة. ليس له تفسير آخر. كما أن إصراره على محور فيلادلفيا، بعد أن وافق على إخلائه، يتطلب تفسيراً.
كلنا تأثرنا حين رأينا هذا الأسبوع نفقاً بعرض مركبة “تندر” حفر في رفح في اتجاه مصر. من زيارات عديدة في محور فيلادفيا أشهد بوجود عشرات، إن لم يكن أكثر، من الأنفاق التي حفرت من رفح باتجاه مصر. ما يبلغ عنه أقل هو أن الغالبية المطلقة من هذه الأنفاق، كلها تقريباً، مسدودة في الجانب المصري.
يتبين أن مصر، التي لا تحب إسرائيل كثيراً، لكنها تكره حماس كرهاً أشد، عملت بنجاح على سد الأنفاق التي تمر إليها من رفح؛ ليس خوفاً من أن تستخدم لتهريب السلاح من حماس، بل من انتقال رجال حماس إلى الأراضي المصرية. الغالبية الساحقة من تهريبات السلاح والمواد مرت عبر معبر رفح وعبر معبرنا إلى غزة – كرم سالم. القليل فقط مر عبر الأنفاق.
إن صفقة المخطوفين التي وافق عليها نتنياهو رهيبة وصعبة؛ فهي تتضمن في المرحلة الأولى نحو نصف المخطوفين الأحياء (25 – 30)، وتتطلب التنازل عن ذخائر استولت عليها إسرائيل في غزة (محوري نتساريم وفيلادلفيا) ولا تضمن شيئاً عن مصير باقي المخطوفين الذين سيبقون في غزة. وكل التعهدات التي قطعتها إسرائيل عن نفسها قابلة للتراجع: يمكن إعادة احتلال محوري فيلادلفيا ونتساريم، ويمكن قتل السجناء الذين سيتحررون. لكن شيئاً واحداً لا مرد له – حياة المخطوفين.