مجلة فورين أفيرز الأميركية تدعو بايدن لإعادة النظر بصفقة التطبيع بين اسرائيل والسعودية لأنها ستقوّي المتطرفين في إسرائيل

مجلة فورين أفيرز الأميركية تدعو بايدن لإعادة النظر بصفقة التطبيع بين اسرائيل والسعودية لأنها ستقوّي المتطرفين في إسرائيل

خبر24 - قالت الكاتبة في مركز بيركل بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجيلس داليا داسا كي إنَّ على الولايات المتحدة ألا تدفع باتجاه اتفاقية جوفاء بين الإسرائيليين والسعوديين.

وفي مقال نشرته دورية “فورين أفيرز”، تحدثت عن أن الولايات المتحدة تنظر، وبجدية، في صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل، حسب ما كتب المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان، وتقارير أخرى، وأن الولايات المتحدة تتطلّع لشرق أوسط متكامل ومزدهر وسلمي.

وهناك تحركات واضحة تدعم الشائعات، ففي منتصف تموز/ يوليو، زار رئيس المخابرات الإسرائيلية واشنطن لمناقشة صفقة محتملة مع البيت الأبيض و”سي آي إيه”. وفي نهاية ذلك الشهر، أرسل بايدن مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان إلى السعودية، لمناقشة صفقة مع الحاكم الفعلي هناك، ولي العهد محمد بن سلمان.

وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن بايدن يتطلع لاتفاقية بنهاية العام.

وتعلق الباحثة بأن خطة بايدن تستحق، مبدئياً، الدعم، فقد وسّعت السعودية وإسرائيل علاقاتهما في السنوات الأخيرة، واتفاقية تطبيع ستعطي إسرائيل ما تريده، وهو الحصول على اعتراف شامل في العالم العربي، وتطلق العنان لإمكانيات المنطقة الاقتصادية. إلا أن المسارات التي تم الحديث عنها للصفقة لن تدفع إلى السلام في الشرق الأوسط، بل ستزيد الأمور سوءاً. فالرياض تريد ثلاثة أمور كتحْلِية من واشنطن: مزيداً من الأسلحة المتقدمة، مثل نظام الصواريخ “ثاد”، وضمانات أمنية على شكل الناتو، ومساعدة أمريكية في بناء المفاعل النووي، بحيث يسمح للسعودية أن تخصب اليورانيوم محلياً.

“فورين أفيرز” إدارة بايدن تعمل بناء على قواعد قديمة، وهي أن الصفقات الكبرى البراقة، والمصافحات المتلفزة تحوّل الشرق الأوسط وللأبد.

 ورغم كل المشاكل التي ستظهر من الأسلحة الجديدة في منطقة متقلّبة، إلا أن بيع الأسلحة هو العنصر الأقل جدلاً في الاتفاقية. ففي بداية حكمه تعهد جو بايدن بتخفيض مبيعات الأسلحة للسعودية، لكنه عاد وصادق على سلسلة من صفقات الأسلحة، بعد زيارته لجدة في صيف 2022، في وقت لم يقف الكونغرس أمامها.

لكن المطلبين الآخرين من السعودية سيشعلان معارضة قوية من الحزبين في الكونغرس. فليس لدى واشنطن اتفاقية دفاع تلزمها بنشر قوات للدفاع عن إسرائيل، أو أي دولة عربية أخرى. وتتعاون الولايات المتحدة في تشغيل مفاعلات نووية مدنية مع دول الخليج الأخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة. إلا أن الاتفاقيات هذه لا تشمل على تخصيب اليورانيوم محلياً.

وفي الولايات المتحدة لم تكن السعودية شريكاً محبوباً. وربما اعتقدَ بايدن أن الدفع للسلام في المنطقة، ودعم الفلسطينيين، وتدجين حكومة بنيامين نتنياهو هو الثمن الباهظ من الولايات المتحدة. وربما اعتقد أنه بحاجة لانتصار كبير في الشرق الأوسط، مع قرب الحملات الانتخابية لعام 2024، ولإثبات ما نظر إليه على أنه تحول محير.

فكمرشح للرئاسة عام 2020 تعهد بأن يعامل السعودية كدولة منبوذة، لكنه سافر، في تموز/يوليو، والتقى مع محمد بن سلمان. وربما كان يعتقد أن الصفقة مفيدة للولايات المتحدة لردع إيران، ومنع جهود الصين لحرف ميزان القوة في المنطقة لصالحها. وربما كانت لدى مسؤولي الإدارة آمالٌ كبيرة لو دفعوا بصفقة في وجه المعارضة المحلية، والتنازلات غير المريحة لقيم الولايات المتحدة.

 وتعلق كي بأنَّ أياً من المنافع التي يتم الحديث عنها من الصفقة لن يحدث، فالشرق الأوسط لم يعد سهل الانقياد كما كان نتيجة هذه الصفقات.

ويكشف المفهوم القائم على أن اتفاقاً بين السعودية وإسرائيل سيغير بشكل جوهري المنطقة، أن إدارة بايدن تعمل بناء على قواعد قديمة، وهي أن الصفقات الكبرى البراقة، والمصافحات المتلفزة تحوّل الشرق الأوسط وللأبد، وهذه الصفقة ليست مقامرة قصيرة- طويلة الأمد، فقد تكون خطراً على المنطقة والولايات المتحدة.

وقال فريدمان، في مقابلة مع مجلة “ذي نيوركر” في آب/أغسطس إن صفقة اسرائيلية- سعودية هي صفقتان: “اشترِ واحدة، والثانية مجانية”، وستحفز نتنياهو للتخلي عن ائتلافه المتطرف، والتعامل مع حلفاء في الوسط، وتدعم حل الدولتين، فالرياض تتوقع تنازلات جوهرية من إسرائيل على الجبهة الفلسطينية. ولكن التوقعات بأن الصفقة ستنفع الفلسطينيين معزولة عن الواقع.

فلم يظهر نتنياهو أي اهتمام جدي، واتخاذ خطوات ملموسة للحفاظ على إمكانية حل الدولتين. فقد ظل نتنياهو يجادل أن السلام مع الدول العربية نابع من قوة إسرائيل، لا من التنازلات.

وفي مقابلة مع وكالة “بلومبيرغ”، لوّح نتنياهو بالصفقة المحتملة كـ “محور تاريخي”، لكنه سخر سريعاً من فكرة أنه سيفكّر بتقديم تنازلات للفلسطينيين: “هل هذا ما قيل في المفاوضات السرية؟ هو أقل مما تتوقع، وأنا لست مستعداً للتخلي عن أي شيء يعرّض أمن إسرائيل للخطر”.

ووصف الموضوع الفلسطيني بأنه مجرد مربع اختيار، وكرّرَ معارضته للدولة الفلسطينية. وربما افترضَ نتنياهو أنه قادر على توقيع صفقة مع الرياض من خلال تقدم تجميلي للفلسطينيين، لكن ليس من المفترض أن هذا النوع من الاتفاق سيستمر.

وتمتحن الرياض تصميم نتنياهو، ففي 12 آب/ أغسطس، عيّنت السعودية سفيرها في الأردن لكي يخدم كمبعوث غير مقيم  للسلطة الفلسطينية وقنصل عام في القدس، في إشارة لدعمها المستمر للدولة الفلسطينية.

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي إنه لن تتم المصادقة على فتح قنصلية في القدس، حيث تعارض إسرائيل أي تمثيل للفلسطينيين في المدينة.

وذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن جزءاً من الصفقة التي يتوقعها بايدنم، وكذا السناتور عن ميريلاند كريس فان هولين، وتيم كين عن فيرجينيا، وقف عمليات الضم، وتجميد الاستيطان، والتخلي عن مناطق تحت سيطرتها في الضفة الغربية، وليس من المنطقي التوقّع من تحالف نتنياهو مع اليمين المفرط الموافقة على شروط كهذه. وقد وعبر بعض من حلفائه عن معارضة لتقديم تنازلات كهذه للفلسطينيين.

 وربما اعتقدت إدارة بايدن أن صفقةً ستحفز نتنياهو لتعديل مواقفه من الفلسطينيين والتخلي عن ائتلافه وتشكيل حكومة جديدة مع أحزاب وسطية. لكن الوسطيين في إسرائيل لا يثقون بنتنياهو. فقد قال يائير لبيد، زعيم المعارضة، في نهاية تموز/ يوليو، ومنتصف آب/ أغسطس، إن لا نيّة لديه للمشاركة في حكومة يتزعمها نتنياهو.

ومن غير المحتمل أن يخاطر نتنياهو بانتخابات جديدة في وقت يحاول في ائتلافه إضعاف سلطات القضاء. وفي الواقع، فإن صفقة مع السعودية ستخفف الضغط  السياسي على نتنياهو، بعد  احتجاجات غير مسبوقة، ودفعٌ من الولايات المتحدة لن يؤدي لثمار جدية للفلسطينيين، بل سيخاطر بإخراج نتنياهو من ورطته، ويضعف حركة الديمقراطية في البلد.

وبحسب تقرير في “وول ستريت جورنال”، يتوقع بايدن من السعودية منع الصين من بناء قاعدة عسكرية لها في الخليج، والتوقف عن استخدام تكنولوجيا هواوي، وتسعير نفطها بالدولار بدلاً من رينمينبي، إلا أن هذه طموحات بعيدة، ولن تدفع السعودية للعودة إلى أحضان أمريكا بدلاً من الفلك الصيني.

لم يتخذ نتنياهو أيّ خطوات ملموسة للحفاظ على إمكانية حل الدولتين.. وهو يجادل بأن السلام مع الدول العربية نابع من قوة إسرائيل، لا من التنازلات.

 فقد زادت الاستثمارات الصينية في البنى التحتية والتكنولوجية، وتجارتها مع الشرق الأوسط، وكذا استيرادها للنفط منذ العقد الماضي.

ومن جانبها تعترف السعودية بقيمة الصين كشريك إستراتيجي. وفي الوقت الذي تظل فيه العلاقات الصينية مع المنطقة اقتصادية وسط هيمنة عسكرية أمريكية، تظهر الرياض اهتماماً متزايداً بالتكنولوجيا العسكرية الصينية، وبخاصة المسيرات والصواريخ. ولأنه ليس لدى الصين أي اهتمام بالتدخل في الشؤون المحلية  لدول الشرق الأوسط أو النظر في سجلات حقوق الإنسان، فإن ذلك يجعلها شريكاً جذاباً للسعوديين.

وربما استطاع بايدن الحصول على موافقة من السعودية للتكيف مع مطالب أمريكية محددة، إلا أنه لن يتوقع تآكل العلاقة السعودية القوية والمتسعة مع الصين.

وفي نيسان/ إبريل 2023، توسطت بكين في اتفاق سعودي- إيراني، حيث استأنف البلدان العلاقات الدبلوماسية لاحقاً. وربما كان التقارب هشاً، إلا أن الرياض لديها محفزات للعمل بشكل قريب مع طهران. فأي تصعيد بين إيران من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى سيضع السعودية في مرمى الهدف الإيراني، وحدث هذا في عام 2019، وبعد عام من خروج الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع إيران.  فالانفراجة مع إيران والعلاقات مع الصين مهمة للسعودية، ولا يمكنها التخلي عنها مقابل حلف أحادي مع الولايات المتحدة.

 ونصّت إستراتيجية الأمن القومي، التي أعلنت عنها إدارة بايدن في تشرين الأول/اكتوبر 2022، على أن على حلفاء وشركاء أمريكا في الشرق الأوسط عمل المزيد لكي تعمل أمريكا أقل، بشكل يخفف من كلفة التدخل العسكري. وكما ورد في الوثيقة “سيقوّي شرق أوسط متكامل حلفاءنا وشركاءنا في السلام والازدهار الإقليمي، ويقلل المطالب على المصادر التي تطلبها المنطقة من الولايات المتحدة على المدى البعيد”.

وعليه فالاتقاقية المقترحة بين السعودية وإسرائيل تقلب كل هذا رأساً على عقب، وتهدد بالتزامات أمنية للشركاء الذين لديهم تاريخ خطير ومتقلب. وتعتقد أمريكا أنها بتقديمها التطمينات الصحيحة ستعود إلى لعب دور العراب الرئيسي في المنطقة، لكن هذا الأمل سيتلاشى بالتأكيد. فالدول الحازمة في المنطقة لا تريد لعب دور ثان لواشنطن، وباتت تسعى وراء مصالحها بقوة، والتي قد تتوافق أو لا تتوافق مع المصالح الأمريكية.

 وتفترض الصفقة المحتملة شريكاً إسرائيلياً لم يعد موجوداً، فقد افترض المسؤولون، وعلى مدى عقود، أنه لو عرض على إسرائيل المحفزات الحقيقية، ومنها القبول العربي، فستقدم التنازلات مقابل السلام. وقد نجحت الصيغة في كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، قبل 40 عاماً، لكن من غير المحتمل أن تنجح اليوم. فالصفقات الإقليمية الكبرى التي لا تأخذ بعين الاعتبار التغيرات في السياسة الإسرائيلية هي منفصمة عن الواقع، بل وستعزز من سياسة المتطرفين في البلد، والذين يحققون مكاسب. فالصفقة السعودية التي يبدو بايدن أنه يفكر بها تقتضي ثمناً باهظاً من دون منافع حقيقية لإرثه، ولن تؤدي إلى تحسين العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية، أو احتواء الصين، أو تخفيض النزاعات الإقليمية. وربما طبعت السعودية وإسرائيل العلاقات بناء على جدول زمني، ولكن الوقت الحالي غير مناسب للدفع بها. وعلى إدارة بايدن إعادة النظر في خطة التطبيع، فما كشف عن مساراتها يظهر النقاط العمياء لدى واشنطن، عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط.