من الأرشيف الإسرائيلي: وثائق تكشف أسراراً جديدة عن حرب أكتوبر
من الأرشيف الإسرائيلي: وثائق تكشف أسراراً جديدة عن حرب أكتوبر
بقلم: عوفر اديرت
"يجب عليه أن يطلب دبابات وطائرات فانتوم فوراً، ليذهب إلى كيسنجر ويقول له: اس.أو.اس"، هذا ما قالته غولدا مائير. «اليهود بشكل عام غير محبوبين. واليهود الضعفاء أقل محبة. سيرموننا للكلاب». هذه الاقتباسات الدراماتيكية قالتها رئيسة الحكومة، غولدا مائير، في ذروة حرب «يوم الغفران»، التي تم شنها قبل 48 سنة في 6 تشرين الأول 1973.
بمناسبة الذكرى السنوية نشر أرشيف الدولة 61 وثيقة تاريخية، تشمل 1229 صفحة توفر ثغرة للاطلاع على ما وراء كواليس الحرب. ضمن أمور أخرى، تم الكشف عن تسجيلات من يوميات الحرب لرئيسة الحكومة، ومحاضر جلسات في مكتبها، ومحاضر جلسات للحكومة ومشاورات سياسية – أمنية. «تمكننا الوثائق من رؤية الحرب بعيون رئيسة الحكومة وكبار رجال الدولة»، قال أوري بيالكوف، الباحث الناشط في مركز حرب «يوم الغفران»، للصحيفة. "هي توفر ثغرة تاريخية مهمة للاطلاع على الأحداث مثلما حدثت في الوقت الحقيقي وليس الاطلاع على المعالجات المتأخرة لها من قبل المؤرخين".
السفر إلى لندن
في الجلسة التي عقدت في 6 تشرين الأول سمعت صافرة إنذار. اندلعت الحرب. الساعة هي الثانية ظهراً. «مع ذلك فاجؤونا»، قالت غولدا بعد خمس دقائق. مع ذلك، لم تكن المفاجأة في نهاية المطاف كاملة. وثيقة من الوثائق المهمة، التي تنشر الآن، هي تقرير رئيس «الموساد»، تسفي زمير، لرئيسة الحكومة غولدا عن لقائه في لندن مع أشرف مروان*، عميل «الموساد»، الذي قدم له تحذيراً قبل 14 ساعة من اندلاع الحرب.
انتظار إشارة من مروان بدأ قبل وقت ما من ذلك. «انتظرنا نبأ حول الحرب»، قال زمير. «... تلقيت نبأ بأنه سيأتي، وأعطاني إشارة إلى اندلاع حرب»، أضاف في تطرقه للقاء الأول مع مروان. في أعقاب ذلك سافر بسرعة إلى لندن من أجل الالتقاء معه. «بدأنا في البحث عن رحلة طيران. ولم يكن هناك رحلة لشركة «ال عال». ولم أتمكن من السفر في رحلة جوية أخرى. سافرت إلى المطار، واتصل ايلي زعيرا (رئيس الاستخبارات العسكرية) وقال إنه قلق بدرجة معينة. قلت له: "أعتقد أن هذه حرب".
في صباح اليوم التالي، 5 تشرين الأول، وصل زمير الى لندن، وبعد ذلك التقى مع مروان. «وصل في الساعة الثانية عشرة ليلا، جلسنا حتى الساعة الثانية فجرا. ستكون هذه الحرب بعد الظهر أو في المساء. إنه ذاهب إلى الحرب. وزودني بتفاصيل. قررت إجراء اتصال هاتفي".
خلال الحرب واصل مروان إمداد زمير بالتطورات المختلفة. في جلسات الحكومة تمت تسميته «صديق تسفيكا»، ضمن أمور أخرى، قدر مروان بأن المصريين سيطلقون صواريخ سكاد نحو إسرائيل فقط اذا هاجمت إسرائيل المدنيين في مصر. «صديق تسفيكا قال إن هناك حالتين فقط يمكن عن طريقهما إنهاء الحرب، إما أن تتم إبادة الجيش أو على الأقل أن ينتهي السادات». تم الاقتباس عن رئيسة الحكومة غولدا في احدى الوثائق. وأضافت بنغمة ساخرة: «أوافق على أنه لن يحدث أي أمر من الأمرين".
الضابط المصري
إنذار آخر قدمه «الموساد» تم العثور عليه في 12 تشرين الأول، في الوقت الذي اجتمع فيه الكابنيت الأمني لمناقشة خطة عبور القناة. وفي منتصف النقاشات الطويلة تم استدعاء رئيس «الموساد» زمير بصورة مستعجلة للهاتف. رئيس مكتبه أخبره عن نبأ تم التقاطه في اللاسلكي، هذه المرة لم يكن هذا مروان، بل العميل المصري العسكري. في الوثائق التي يتم الكشف عنها الآن كتب أن غولدا قالت للحاضرين: «سننتظر دقيقتين وسنقرأ المادة التي حصلت عليها الآن». وبدأت في قراءة الأوراق. «هناك ورقة من تسفيكا، سأخبركم بها»، أضافت.
النبأ الذي نقله الضابط المصري تناول نية المصريين استخدام ألوية المظليين إلى جانب قوات المدرعات من اجل احتلال مناطق مهمة في عمق شبه جزيرة سيناء. في أعقاب تلقي النبأ تقرر الاستعداد لصد المصريين قبل اجتياز القناة. «الآن أعرف ما الذي يجب أن أفعله. سنستعد بشكل جيد ونصد هجوم المصريين ونقوم بضربهم بقوة من خلال فِرق. وبعد ذلك سنعبر القناة»، قال رئيس الأركان في حينه، دافيد اليعازر، في أعقاب التقرير. نائبه، إسرائيل طل أضاف: «هذه ستكون ضربة دراماتيكية مثيرة لا مثيل لها. وهذا سيخرج الهواء من أشرعة الهجوم المصري، ويفجر البالون شريطة أن نقوم بإعداد هذه المعركة». لخصت غولدا الموضوع: "أيها الاصدقاء، أعرف أن تسفيكا أنهى نقاشنا".
كما وصف الباحث في بيالكوف، الذي اطلع على الوثائق، استعد الجيش الإسرائيلي مسبقاً للهجوم بفضل التحذير. «ضربت القوات المصرية من قبل الجيش الإسرائيلي في معركة من معارك الدبابات الكبيرة في حروب إسرائيل. صورة المعركة في الجبهة الجنوبية انقلبت رأساً على عقب». بعد ذلك قال زمير عن ذلك: «من خلال نقل هذا النبأ فان الضابط المصري أنقذ إسرائيل من الهزيمة المهينة في تاريخها".
من يلبس القناع
تتناول الوثائق، ضمن أمور أخرى، خوف إسرائيل من استخدام صواريخ سكاد وسلاح كيميائي من قبل مصر ضد أهداف مختلفة. قدرت الشخصيات الرفيعة في إسرائيل بأن الاتحاد السوفييتي يساعد المصريين في الاستعداد لاستخدام الصواريخ. «الروس قالوا لهم نحن سنتعلم هذا معاً. في نهاية المطاف اذا تم إطلاق الصواريخ فهذه ستكون صواريخ سوفييتية، لكنهم سيقولون بأنها صواريخ مصرية»، كتب في إحدى الوثائق.
"لنتذكر تحذير السادات بأنه اذا تمت مهاجمة المدنيين فهو سيهاجم بصواريخ سكاد»، قال وزير الدفاع في حينه، موشيه ديان، وهو في حالة ضغط. «ما الذي سيحدث إذا ضغط على الروس؟ إذا قال إننا هاجمنا المدنيين وطلب منهم إطلاق الصواريخ علينا؟ هناك أنباء تقول بأنه يوجد لدى المصريين 400 صاروخ سكاد. السادات قلق جداً على مستقبله»، قال ديان في إحدى الجلسات التي استبعد فيها احتمالية أن يضرب الجيش الإسرائيلي أهدافاً استراتيجية في مصر خشية من إطلاق صواريخ سكاد ردا على ذلك. «هو يخشى من أن المصريين، كعملية انتقام، سيستخدمون الصاروخ المشهور»، قال الوزير يغئال الون في السياق.
الخوف من تدخل السوفييت النشط في الحرب كان بارزاً في الوثائق. أوضح بيالكوف في هذا السياق بأن «الحرب كانت احد الأحداث التي كنا قريبين فيها من حرب عالمية ثالثة، حيث رفع الروس الجاهزية عندما رأوا حلفاءهم يخسرون». في الوثائق تم توثيق سؤال الوزير إسرائيل غليلي وهو اذا كان يوجد تهديد سوفييتي بالتدخل؟ كيف يجب علينا الرد؟ ما الذي طلبناه من الأميركيين؟. في هذا السياق تساءلت رئيسة الحكومة غولدا: «أريد أن أعرف ما الذي يجعل كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي في حينه) ينذعر؟ بماذا هددوه؟». أجاب الوزير يغئال الون: «يحتمل أن تكون في الإرسالية قوة سوفييتية لمصر".
كانت هناك انباء ايضا عن احتمالية استخدام الغاز، قيل في إحدى الجلسات. «هل يوجد للجميع أقنعة ضد الغاز؟»، تساءلت غولدا. السكرتير العسكري، إسرائيل ليئور، قال إن عددا من الوحدات تم تزويده بالأقنعة، «لكن السؤال هو هل يوجد لكل شاب قناع؟"
في المقابل، توثق الوثائق ايضا نقاشات حول استخدام محتمل للصاروخ الإسرائيلي «عبري» الذي تم إنتاجه قبل الحرب. رئيس الاركان، اليعازر، اقترح اطلاقه نحو دمشق. «توجد لدينا صواريخ ارض – ارض، صحيح أن عددها فقط 25 صاروخا بدأنا في انتاجها في هذه السنة»، قال. «بوساطتها سنصل إلى عمق دمشق إذا أردنا ذلك". واقترح، ضمن أمور اخرى، «قصف مطار قرب دمشق بهذه الصواريخ، بحيث يتم سماع الانفجارات في دمشق وتهتز النوافذ". سألت غولدا: «هل هذه الصواريخ دقيقة؟». أجاب: «نعم، لكن يجب الأخذ في الحسبان بأن منازل قرب المطار يمكن أن تتضرر. هذا سيسمعونه في دمشق بشكل جيد. لا اقترح الإطلاق داخل المدينة... اعتقدت أنه في المقام الأول يجب إطلاق النار داخل دمشق، لكن الشكر لله نحن لم نصل إلى ذلك. لهذا، ليس داخل دمشق بل في المطار». عارض وزير الدفاع، موشيه ديان، ذلك، وفي نهاية المطاف لم يتم إطلاق الصواريخ.
برعاية روتشيلد
في وثيقة أخرى تم توثيق الجهود الكبيرة لوزير المالية، بنحاس سبير، لتجنيد أموال يهود أثرياء في العالم لصالح المجهود الحربي. قال سبير لهم بأنه ذهب إلى جولة تجنيد فورية عند اندلاع الحرب وأنه، ضمن أمور اخرى، تم الحصول على منحة من عائلة روتشيلد. «اتصلنا مع السيدة دورتي روتشيلد (متبرعة بريطانية يهودية وزوجة جيمس روتشيلد). ها أنا حصلت على خبر بأنها ستتبرع بمليوني جنيه استرليني، لكن هذا الخبر يجب أن يبقى سرا. في ذاك المساء دعت عددا من الأشخاص الى بيتها... تأخرتُ، وسافرتُ إليها مباشرة من المطار دون أن استحم. لقد انتظرتني في البيت وطلب مني أن أحدثها عما يحدث في البلاد. قلتُ بأنني سأتصل مع رئيس الحكومة، وستسمعين ما الذي يحدث الآن. في الواقع ليس من السهل الوصول الى المكتب عبر الهاتف مرورا بكل السكرتاريا. ولكنها قالت إن هذا أعطاها الحياة عندما تحدثت معك (مع غولدا مائير). مسكت رأسها وابتسمت. وفي اليوم ذاته أرسلت اثنين من أقاربها لإبلاغنا بأنها ستتبرع بمليوني جنيه، وأنها تعتقد بأن الوضع جدي. وبالطبع قمنا باستغلال ذلك».
بعد ذلك وصف جهوده في تجنيد التبرعات ايضا من يهود آخرين، من بينهم رجل اعمال ومتبرع اسمه تشارلز كلور، قال عنه: «لقد أغلقت عليه الغرفة وقمت بهزه، هو يهودي غال». من اجل تجنيد الأموال استخدمت إسرائيل أيضا ذكرى الكارثة. «عشرات المرات قلت لهم، لو أنكم فعلتم في 1939 ما تقومون بفعله الآن، عندما صرخ وايزمن 'شعب إسرائيل'، ربما كان مليون يهودي أقل ذهبوا الى اوشفيتس".
معارك الأنا
وثقت الوثائق أيضاً حروب الجنرالات ومعارك الأنا في قيادة الدولة والجيش، ضمن أمور أخرى، قال وزير الدفاع، موشيه ديان، عن اريك شارون: «يوجد له فم، لكنه قائد ممتاز. الآن لا يجب فعل أي شيء حتى لو كان سوبر نابليون. بعد ذلك سنرى. سنضطر الى التعايش مع فمه، وسيضطر والمصريون للتعايش مع يده». رئيس الأركان، اليعازر أبلغ غولدا: «غورودوش (شموئيل غونين، قائد المنطقة الجنوبية) قال إن اريك يفعل ما يحلو له. اريك غائب عنه. هو غير واثق مما يفعله». قالت غولدا ردّاً على ذلك: «لا توجد لديه الشجاعة لقول رأيه في أريك».
الإخفاءات التي بقيت
الصفحات الكثيرة التي يتم فتحها الآن أمام الجمهور هي المادة الوثائقية الخام الأصلية التي كتبت أثناء الأحداث الدراماتيكية لأحد الأحداث التاريخية التي ما زالت تعتبر جرحا نازفا في تاريخ الدولة والمجتمع في إسرائيل»، كتب في البيان الذي نشرته المسؤولة عن ارشيف الدولة، روتي ابراموفيتش. «للمرة الاولى منذ 48 سنة يمكن متابعة الديناميكية التي حدثت في الحكومة فيما يتعلق بحرب يوم الغفران، ورؤية الذعر والعقبات والنقاشات والعلاقات المعقدة التي كانت سائدة بين رؤساء الدولة، هؤلاء الذين قادوا الحرب القاسية وأولئك الذين قادوا السياسة"
تم الكشف عن الوثائق بفضل التماس المقدم للمحكمة العليا، السنة الماضية، وطالب بأن تعرض على الجمهور جميع مواد الارشيف المتعلقة بالحرب. هذا الالتماس قدمه المحامي بنيامين بيرتس والجنرال احتياط اوري أور ومركز حرب «يوم الغفران» ورئيس المركز رامي تسفات والبروفيسور اوري بار يوسف.
لكن بين المادة الكثيرة التي سمح الآن بنشرها ما زالت هناك فقرات كاملة حظرتها الرقابة. «من تاريخ معين، كل مرة يفتح فيها تسفيكا زمير فمه، يوجد شطب»، قال للصحيفة بار يوسف. من السياق يمكن الفهم بأن الرقابة قامت بمحو أجزاء تطرقت للعلاقة الحساسة بين إسرائيل والأردن حول مسألة انضمام الأردن للحرب. ضمن أمور أخرى، يمكن الافتراض بأنه تم حظر مقاطع تطرق فيها رئيس «الموساد» للعلاقة السرية التي أقامتها إسرائيل مع الأردن في تلك الفترة. إضافة إلى ذلك، لخص بار يوسف أقواله بأن الاطلاع على الوثائق يكشف الأداء الجيد للمستوى السياسي. «الوضع الأصعب الذي شهدته إسرائيل منذ غزو الجيوش العربية في العام 1948»، حسب قوله. «لقد واجهوا ضباباً حربياً كثيفاً جداً. أُحييهم. هذا يطرح سؤالاً حول ما الذي كان سيحدث لو أنه سقط في تل أبيب الف صاروخ ولم يبق أي ذكر للكرياه وابراج عزرائيلي، كيف كان سيتصرف رئيس الحكومة الحالي ورئيس أركانه في هذه الحالة؟»، أضاف بلهجة متشائمة.
خطأ في الرقابة
على هامش النشر يختفي أيضاً خطأ للرقابة، التي شطبت كلمتين من إحدى الجمل وأبقتها في جملة ملاصقة. «وزير الدفاع قال إن بيغن طلب منا التوجه (... بعد هذه الكلمة تأتي كلمات تم شطبها) واستراليا ونطلب طائرات من نوع ميراج، ربما سيوافقون على إعارتها لنا»، كتب في الوثيقة. بعد ذلك يتبين ما هي الكلمات التي شطبت، عندما ردت غولدا: «أستراليا لن تعطي، جنوب إفريقيا ربما".
في إحدى الوثائق يظهر أيضاً حس الدعابة لرئيسة الحكومة. «هل ستقضين وقتك هنا هذا المساء، يا غولدا؟»، سأل ديان. «كان يجب علي أن اكون في أحد نوادي الديسكو»، أجابت، «لكني سأبقى هنا لبعض الوقت".
عن «هآرتس"
*أشرف مروان هو سياسي ورجل اعمال وصهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، شاعت أنباء عن كونه عميلا لإسرائيل، لكن المصادر المصرية نفت ذلك وأكدت أن كل شيء كان بعلم القيادة المصرية، توفي أشرف مروان في حادث غامض عام 2007 اثر سقوطه من شرفة منزله في لندن (خبر 24) .