ست حقائق عن الإمبراطورية العثمانية
ست حقائق عن الإمبراطورية العثمانية
ظلَّت الإمبراطورية العثمانية قائمة لمدة 600 عام. فمن مؤسِّسُها؟ وما الهزيمة العسكرية الأكثر إذلالًا لها؟ يجيب عن هذه التساؤلات وغيرها جيم دودوكو، الكاتب المهتم بالتاريخ والمؤلف لعديد من الكتب من بينها كتاب «السلاطين: صعود الحكام العثمانيين وسقوطهم وعالمهم.. 600 عام من التاريخ»، فيالمقال التالي الذي نشرته History Extra التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية.
في مستهل المقال يؤكد الكاتب أن تلك الإمبراطورية كانت واحدة من أكبر الإمبراطوريات على مر التاريخ، إذ امتدت في ذروة مجدها حتى شملت ما يُعرف الآن ببلغاريا ومصر واليونان والمجر والأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية ومقدونيا ورومانيا وسوريا وأجزاء من شبه الجزيرة العربية والساحل الشمالي لأفريقيا. هذا الإرث يفضل نسيانه في بعض البلدان، فيما يثير الجدل في بلدان أخرى، بينما يذكر بأيام العزة والفَخَار في تاريخ بلدان أخرى قليلة، على حد وصف الكاتب.
وفيما يلي ست حقائق غير ذائعة الصيت حول هذه الإمبراطورية.
1- مؤسس الدولة العثمانية
يوضح الكاتب أن مؤسس الإمبراطورية العثمانية رجل من السلاجقة الأتراك يدعى عثمان. وصل السلاجقة من السهوب الآسيوية في القرن الحادي عشر الميلادي وعاشوا في الأناضول لأجيالٍ، بينما حكم عثمان منطقة الأناضول الصغيرة في نهاية القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر. وكان محاربًا من طراز الفرسان العظماء في العصور الوسطى، مثل جنكيز خان.
بدأ تقليد سيف عثمان في يوم البيعة لخليفته. وكان ذلك تذكيرًا لجميع السلاطين العثمانيين الستة والثلاثين الذين جاءوا بعد ذلك بأن قوتهم ومكانتهم إنما آلت إليهم عن طريق هذا المحارب الأسطوري.
وكان سيف عثمان وحِزامه المزيَّنان ببذخ هما التقليد العثماني الذي يعادل مجوهرات التاج أثناء حفلات تتويج ملوك إنجلترا وملكاتها، لكن هناك شك في أن ما يُرى اليوم معروضًا في متحف قصر توبكابي في إسطنبول هو السيف الذي حمله عثمان في يده يومًا ما.
كان عثمان شخصية حقيقية بكل تأكيد، ولكنه من بعض النواحي كان مثل الملك آرثر في الغرب: مؤسس فكرة وصاحب شخصية شبه أسطورية، ولكن لا توجد لدينا أي مصادر معاصرة عنه على الإطلاق. ولا نعرف كيف كان شكله. وقد بدأ عهد عثمان أثناء ما كان يُعرف آنذاك بالعصور العثمانية المظلمة.
- ربما كان العثمانيون غير محظوظين
أوضح الكاتب أن سلطانًا عثمانيًّا واحدًا مات في المعركة، ووقع سلطان عثماني واحد آخر في أسر الأعداء في معركةٍ أخرى. ولسوء حظ الإمبراطورية الوليدة، كان هذان السلطانان أبًا وابنًا. في عام 1389، وأثناء معركة كوسوفو الشهيرة، كان مراد الأول متواجدًا في خيمته وقواته تخوض معركة وحشية ودموية ضد القوات الصربية. تقول رواية معاصرة: «بعد أن اخترقت (القوات الصربية) خطوط العدو العثماني، وصلت ببطولة إلى خيمة السلطان مراد.. (وقتلته) طعنًا بالسيف في نحره وبطنه».
استدرك الكاتب قائلًا: لكن يبدو أن هذه الرواية غير صحيحة. بدلًا من ذلك، هناك تقرير يفيد بأن أرستقراطي صربي (غالبًا ما يُدعى ميلوش أوبيليتش) تظاهر بالانشقاق عن الجيش الصربي وذهب إلى السلطان والتقى به في خيمته الخاصة، وهناك اندفع وطعن السلطان فقتله. وفي كلتا الحالتين، مات السلطان مراد في بركة من الدماء بعد 27 عامًا قضاها في الحكم.
كان بايزيد الأول، نجل مراد ووريث عرشه، مشاركًا في المعركة وأثبت بالفعل أنه محارب جسور. وكان يُعرف باسم بايزيد يلدرم (الصاعقة) لأنه كان يتحرك بسرعة خاطفة ويضرب كالصاعقة. ومن بين عديد من النجاحات العسكرية الأخرى، كان عليه القضاء على آخر حملة صليبية خطيرة أرسلتها أوروبا لمواجهة المد الإسلامي المتصاعد الذي تقود لواءه الإمبراطورية العثمانية. ومع ذلك، وفي عام 1402، كان عليه أن يواجه تهديدًا جديدًا: تهديد أمير الحرب الأسطوري تيمورلنك، وهو أمير حرب وحشي عاش في القرن الرابع عشر ووُلِد في ما يعرف الآن بأوزبكستان، وأقام إمبراطورية امتدت من الهند إلى تركيا ومن روسيا إلى السعودية. والتقى القائدان في معركة أنقرة، حيث اشتبك أكثر من 150 ألف مقاتل بخيولهم بحضور فيلة الحرب.
أفاد الكاتب أن الروايات التي وردت إلينا بشأن هذه المعركة سطحية إلى حدٍّ ما وغالبًا ما تكون متناقضة. والنقطة المحورية في المعركة حدثت عندما غيَّر بعض أنصار بايزيد مواقفهم أو انسحبوا من المعركة. ومع ذلك، قاتلت القوات العثمانية بشجاعة، وكانت المعركة شرسة حتى قيل إن حوالي 50 ألف جندي عثماني ومثلهم من قوات تيمورلنك قد قُتلوا. وإذا كانت هذه الأرقام صحيحة (وليس هناك طريقة لمعرفة ذلك)، فقد كانت هذه المعركة واحدة من أكثر المعارك دموية في تاريخ العالم قبل القرن العشرين.
ولفت الكاتب إلى أن بايزيد ربما كان مكافئًا لتيمورلنك في مستوى القيادة، لكن تيمورلنك كان لديه أكثر منه من كل شيء، إلى جانب بعض الأفيال. وبحلول نهاية ذلك اليوم العنيف القاسي من شهر يوليو (تموز) كان جيش بايزيد في حالةٍ يُرثى لها، ووقع في الأسر هو وزوجته، مما يدل على أنه قاتل شخصيًّا حتى بلغ هذه النهاية المريرة.
وأدَّت وفاة بايزيد في الأسر إلى حرب أهلية واقتتال داخلي بين أبنائه على وراثة العرش من بعده، وكادت هذه الأحداث تقضي على الإمبراطورية بعد 100 عام فقط من تاريخ ميلادها.
3- العثمانيون لم يكن جميعهم من الأتراك
يلفت الكاتب إلى أن الحقيقة الأكثر إثارة للدهشة عن الإمبراطورية العثمانية هي أن عديدًا من «الأتراك» المذكورين في أسفار التاريخ الأوروبي لم يكونوا «أتراكًا». وبسبب ظلمات الجهل التي كانت تتخبَّط فيها أوروبا (والتي امتدت لقرون) وإقامة الإمبراطورية في تركيا، أصبح السلاطين العثمانيون يعرفون بأنهم سلاطين "أتراك".
وفي كثيرٍ من أدب عصر النهضة الأوروبية، جاءت الإشارة إلى السلطان العثماني باسم «عظيم الترك»، وهو اللقب الذي لم يكن يعني شيئًا للبلاط العثماني. وكي نوضح هذا الأمر: سبقت الإمبراطورية العثمانية القومية. ولم تكن جميع القوات المشاركة في معركة «فتح القسطنطينية» الشهيرة ضد الإمبراطورية البيزنطية عام 1453 من «الأتراك»؛ بل لم تكن جميع القوات التي شاركت في حصار القسطنطينية من المسلمين.
وكان هناك أكثر من 30 من السلاطين العثمانيين من أبناء الحريم (الجواري). ولم يكن أيٌّ من هؤلاء النساء تركيات؛ ويبدو أن معظمهن كُنَّ من الأوروبيات والصربيات واليونانيات والأوكرانيات. ولذلك، من المحتمل أن بعض السلاطين «الأتراك» فيما بعد كانوا من الناحية الجينية أقرب نَسَبًا إلى اليونانيين منهم إلى الأتراك.
وبالمثل، كان الإنكشاريون الأسطوريون (قوات النخبة بالجيش العثماني)، بما في ذلك المهندس المعماري الشهير معمار سنان الذي بدأ حياته المهنية بوصفه إنكشاريًّا، جميعًا أطفالًا مسيحيين ثم اعتنقوا الإسلام. وأفضل تشبيه عصري لوصف أي شيء عثماني بأنه «تركي» هو القول بأن أي شيء يرتبط بالإمبراطورية البريطانية كان «إنجليزيًّا» خالصًا.
4- كان سليمان أروع مما تعتقد
يشير الكاتب إلى أن السلطان سليمان أصبح يُعرف في الغرب باسم سليمان المُعظَّم. ويُعرف في الشرق باسم سليمان القانوني. ومع ذلك، فيما يلي قائمة أخرى ببعض ألقابه الرائعة:
سلطان العثمانيين، حاكم بيت عثمان، ظِلُّ الله على الأرض، مالك الرقاب، أمير أمراء الدنيا، ملك المؤمنين وغير المؤمنين، ملك الملوك، إمبراطور الشرق والغرب، ملجأ جميع الناس في العالم بأسره، خاتم النصر، أمير الأرض الأسعد، خان الخانات».
ينوه الكاتب إلى أن لقب «ظل الله على الأرض» يدل على سلطته الإسلامية العليا. ويشير لقب «مالك الرقاب» إلى ممارسات والده سليم في قطع رأس حتى كبار المسؤولين؛ فأي شخص يغضب عليه السلطان بسبب جرائم معينة عليه أن يتوقع قطع رأسه. وقد يبدو لقب «ملك الملوك» توراتيًّا بعض الشيء، وكان العثمانيون يتحدون به خصمًا رئيسًا، لكن هذه المرة في الشرق؛ الفرس الصفويين. نأتي بعد ذلك إلى لقب «ملجأ جميع الناس في العالم بأسره»، والذي يدل على أن السلاطين كانوا يدركون جيدًا أن إمبراطوريتهم كانت متعددة الثقافات والأديان، ويعيش فيها المسيحيون واليهود والمسلمون وغيرهم معًا.
لم يفشل سليمان القانوني في أي من فتوحاته إلا في معركتين فقط. وامتدت إمبراطوريته لمئات، إن لم يكن آلاف، الأميال في كل الاتجاهات. وكان يستحق بجدارة لقب سليمان المُعظَّم.
5- أعظم هزيمة في التاريخ العسكري العثماني
ألمح الكاتب إلى أنه في 20 مايو (آيار) 1799، فرض نابليون حصارًا على ميناء عكا، حيث صوَّب المدافع القليلة التي كان يمتلكها ضد الدفاعات العثمانية القوية، بينما لجأ المدافعون إلى الاحتماء خلف أسوار المدينة. وكان نابليون دائمًا يختار الجنرالات الأكفاء، ومنهم جان بابتيست كليبر الذي كان جنرالًا ذا قدرة عالية على القتال. والتقى الجَمْعان في معركة جبل طابور التي ربما كانت أكبر هزيمة مُذِلَّة للقوة العسكرية العثمانية.
بلغ إجمالي خسائر الجنود العثمانيين حوالي 6 آلاف قتيل و500 أسير، مقابل مقتل جنديين فرنسيين. حارب جيش قوامه حوالي 4,500 مقاتل جيشًا قوامه أكثر من 30 ألف مقاتل، ولم ينتصر فحسب، بل خسر قتيلين فقط. لقد كان إذلالًا مدمرًا للسلطان سليم الثالث، وانتصارًا رائعًا لنابليون.
6-تفوق العثمانيين على جميع خصومهم الرئيسِين
يفيد الكاتب أنه من بعد منتصف عُمْر الإمبراطورية إلى نهايتها، كانت في حالة انهيار بطيء طويل الأمد، وواجهت الإمبراطورية ثلاث قوى متنافسة رئيسة ظهرت مرارًا وتكرارًا في التاريخ العثماني: الصفويون الفارسيون في الشرق؛ وقياصرة روسيا في الشمال؛ وآل هابسبورج (أو آل النمسا) في الغرب.
سقط الصفويون أولًا في أيدي الغزاة الأفغان في عام 1736، وبينما ظلت بلاد فارس/إيران مُناوئِة للسلاطين العثمانيين المتأخرين، فإنهم لم يشكِّلوا التهديد التوسُّعي نفسه الذي شكَّله الصفويو
وبالمثل، عندما بدأ قياصرة روسيا في نشر قواتهم جنوبًا نحو شبه جزيرة القرم والبحر الأسود، بدأ العثمانيون يخسرون أرضهم وأُجبِروا على خوض عدَّة حروب مع القياصرة. وأشهر هذه الحروب كانت حرب القرم، عندما انضمت فرنسا وبريطانيا إلى العثمانيين لدعم الإمبراطورية المتداعية ضد نجم القوة الروسية الصاعد. ومع ذلك، ظل السلاطين في السلطة وأطيح بالقيصر الأخير، نيكولاس الثاني، ثم أُطلق عليه الرصاص لاحقًا.
وقاتل آل هابسبورج ضد العثمانيين بانتظام لدرجة أن فيينا حوصرت مرتين على يد القوات العثمانية. ومع ذلك، خلال الحرب الأخيرة كانت الإمبراطورية العثمانية متورطةً في الحرب العالمية الأولى، وقاتل العثمانيون إلى جانب الإمبراطورية النمساوية المجرية، بقيادة هابسبورج. ولم يصمد آل هابسبورج إلى نهاية الحرب، في حين استمرت الإمبراطورية العثمانية لبضع سنوات بعد ذلك.
في نهاية المقال يشير الكاتب إلى أن الإمبراطورية العثمانية تفككت على يد قوى الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وانتهى أسلوب الحياة الذي استمر من العصور الوسطى إلى القرن العشرين بحلول عام 1922، عندما نُفِي السلطان الأخير، محمد السادس، قسرًا على متن باخرة إيطالية في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1922 ليقضي بقية حياته في الريفييرا الإيطالية، ويتوفى بعد أربع سنوات من نفيه.