الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية وتأثيره على واقع الصراع

الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية وتأثيره على واقع الصراع

الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية وتأثيره على واقع الصراع، بقلم : اللواء سمير عباهرة

تباينت ردود الفعل الدولية على اعترافات بعض الدول الاوروبية بالدولة الفلسطينية التي اصبحت واقعا سياسيا فرض نفسه على العالم والتي اعترفت بها كل من اسبانيا وايرلندا والنرويج ففي حين رحبت الكثير من الدول بالخطوة الاوروبية تحفظ البعض عليها وانتقدت بعض الدول توقيت الاعتراف لكن ردة الفعل الاسرائيلية كانت هستيرية حيث هاجمت اسرائيل تلك الدول وقامت باستدعاء سفراء اسرائيل في تلك الدول للتشاور واستدعاء سفراء تلك الدول المعتمدين لديها وتسليمهم مذكرات احتجاج ووصل الامر حد التوبيخ ورأت في هذا الاعتراف بأنه جائزة مجانية ممنوحة لـ ” الارهاب” اضافة الى اتخاذ قرارات ضد السلطة الفلسطينية واتخاذ قرارات تمس بمستقبل أي حل سياسي اضافة الى توسيع عملية الاستيطان في الاراضي الفلسطينية.

اعتراض اسرائيل على هذا الاعتراف وردود فعلها على الخطوة الاوروبية يمثل انتهاكا صارخا لسيادة تلك الدول وتدخل في شأنها الداخلي وهذا سيكون له تداعيات على العلاقة الاوروبية الاسرائيلية وعلى شكل الشراكة السياسية والاقتصادية القائمة بين اسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي.


ربما يكون العنوان الابرز لهذه الاعترافات هو حق الفلسطينيين في اقامة دولتهم ورفض كافة سياسات اسرائيل تجاه فلسطين والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ووضع اسرائيل تحت الضغط للانصياع لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي. ويمثل اعتراف الدول الاوروبية بالدولة الفلسطينية شكلا من اشكال السيادة التي تتمتع بها تلك الدول ففي السياسة لا توجد ثوابت لأن الثابت الوحيد فيها هو المتغير الذي تتحدد من خلاله المصالح والأهداف ودول العالم كافة تعمل وفق مصالحها السياسية .


الحرب التي شنتها اسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة وامتدت لتشمل الضفة الغربية انتجت حالة من الفوضى السياسية ليس في المنطقة فحسب بل على صعيد العالم اجمع الذي انشغل في تداعياتها ونتائجها والاهم من ذلك كله رفض اسرائيل التعاطي مع المقترحات الدولية ووقف الحرب التي اصابت العالم الغربي الذي بنى حضارته وفق قيم الديمقراطية وحقوق الانسان اصابته بالصدمة جراء الجرائم الاسرائيلية وحرب الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني الاعزل على يد الة الحرب الاسرائيلية ورغم النداءات الدولية المتكررة بوقف هذه الحرب إلا ان اسرائيل ادارت ظهرها للعالم بما فيها نداءات حليفتها الولايات المتحدة.


وإذا كانت اسرائيل تعتقد ان منطق القوة والسيطرة والهيمنة هي من تحدد خريطة المصالح الاسرائيلية في ظل عدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط نتاج السياسة الاسرائيلية والذي تأثرت به مصالح العالم اجمع نتيجة الحرب على غزة فان دول العالم ادركت ومن ضمنها الدول الاوروبية المعترفة بالدولة الفلسطينية ان الاستقرار في هذه المنطقة كفيل بحماية مصالحها وان عدم الاستقرار يأتي من استمرار احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية وعدم اعطاء الفلسطينيين حقوقهم.


وقد تسببت الحرب التي تشنها اسرائيل على القطاع بالمساس بمصالح العالم الغربي نتيجة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الاحمر والتي تحمل البضائع من والى اوروبا مما تسبب في ضرب المصالح الاوروبية وزاد من ازمة اوروبا الاقتصادية والمتأثرة من قبل نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية والمساهمات الاوروبية في دعم اوكرانيا والتي اضعفت الاقتصاد الاوروبي كما ان الحرب التي تشنها اسرائيل ضد الفلسطينيين انتجت الكثير من المتغيرات التي ضربت اعماق الكثير من الدول الراعية لإسرائيل وحليفتها وهو ما حصل في الولايات المتحدة وأوروبا من احتجاجات شعبية وطلابية ضد اسرائيل والتي دقت ناقوس الخطر وأطلقت صفارة الإنذار داخل البيت الأبيض خشية أن تؤدي تلك الاحتجاجات الى احداث حالة من الفوضى داخل الولايات الامريكية.


العلاقات قائمة اساسا على انواعا كثيرة من الصراع والتنافس بكل تفرعاتهم ومرتبط بالمصالح السياسية كمحرك رئيسي لهذه الدول وهذه الدول تعمل دائما على ترتيب اولوياتها بما يتلاءم مع مصالحها وفق المتغيرات والتحولات التي تجري هنا وهناك وعلى ان يكون لها دور في الاحداث التي يمكن ان تغير خارطة المنطقة من خلال اعترافات دولية قادمة وهذا ما بات يزعج اسرائيل والتي بات المطلوب منها اجراء مراجعة شاملة لكل سياساتها الاقليمية وتحديدا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعليها ان تدرك جيدا ان المعادلة الدولية تغيرت تماما وعليها قراءة التحولات المتسارعة الجارية وصيغة التحالفات التي تتشكل في العالم والتي تتغير وتتبدل وفق المصالح.


الاعترافات بالدولة الفلسطينية حشرت اسرائيل في الزاوية وأفقدتها الكثير من توازناتها اذا ما اضفنا ايضا ان علاقاتها مع الولايات المتحدة والتي تعتبر بمثابة الحليف الاقوى والأكبر قد اهتزت وتغيرت صورتها عن قبل بسبب سياسة رئيس الوزراء الاسرائيلي وحلفاءه من اليمين الاسرائيلي والتي ادت الى تصادم مع الولايات المتحدة بسبب سياسة نتنياهو فيما يتعلق بالحرب التي تشنها اسرائيل على غزه ورفضه التجاوب مع مطالب المجتمع الدولي ووقف الحرب وعليه فان اسرائيل لم تعد تلك القوة المؤثرة في السياسة الدولية بسبب تراجع حجم الدعم السياسي التي كانت تتلقاه وتقلصه وفق المصالح المتبادلة وهذا مؤشر على ضرورة انصياع اسرائيل لقرارات الاسرة الدولة والتي قد تجد نفسها معزولة فيما لو استمرت في سياساتها هذه.