تزايد التحذيرات من غرق إسرائيل في وحل غزة
في الوقت الذي يتقدم فيه الجيش الإسرائيلي نحو خانيونس التي يصفها بأنها معقل حركة حماس ومقر قيادتها، بعد أن كان قد زعم لأسابيع طويلة أن هذه القيادة تتخندق تحت مستشفى الشفاء في غزة، ووفق معلقو الإعلام المجند، قد يقوم جيش الاحتلال برفع العلم الإسرائيلي فوق بيت يحيى السنوار الخالي من السكان، وذلك للحصول على صورة النصر المفقودة التي حرمته المقاومة الفلسطينية من متعة الظفر بها خلال 60 يوما من الحرب التي يشنها والتي تغص بصور ومظاهر الإبادة الجماعية من قتل وتدمير وتهجير.
حرب التضليل
وإذا كان اقتحام خانيونس يراد منه الإيحاء باقتراب حسم المعركة وتوظيف هذا المشهد في خدمة تحسين صورة الجيش الإسرائيلي التي اهتزت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وفشل خلال شهرين من الحرب المسعورة في ترميمها، فإنها تندرج ضمن عملية تضليل في الحرب التي أطلق عليها الصحافي من "هآرتس" شلومي إلدار، "حرب التضليل" وهو الاسم الذي لصق إسرائيليا بحرب لبنان الأولى، التي قاد شارون الحكومة والجيش الإسرائيلي فيها إلى قلب بيروت وأغرقهما في الوحل اللبناني مدة 20 سنة.
إلدار الذي يسخر في مقاله من بعض أعضاء الكنيست ويصفهم بالثرثارين الذين لم يفتحوا يوما خارطة غزة ولا يفقهون شيئا، وبدأوا يوزعون الغنائم ويعيدون بناء "غوش كطيف" مجددا، ومن آخرين أكثر واقعية وضعوا العربة قبل الحصان بالحديث عن سلطة بديلة تحكم غزة، قبل أن تنتهي الحرب وترفع حماس العلم الأبيض، كما يسخر من بعض الصحافيين الذين لم تطأ أقدامهم أرض غزة ويستعملون تعابير يرغب الشارع الإسرائيلي بسماعها، رغم أنها بعيدة عن الواقع، على غرار "حماس مردوعة" و"حماس تطلق صواريخ على تل أبيب فقط لإثبات أنها ما زالت قادرة".
الجيش الاسرائيلي لم يستكمل ربع اهداف الحرب
ويعتذر إلدار عن البوح بالحقيقة الصادمة، وهي أن الجيش الإسرائيلي لم يستكمل ربع أهداف الحرب، فهو لم يدخل الشجاعية، التي شهدت، كما يقول، معارك ضارية خلال عملية "الجرف الصامد" قبل عقد من الزمن، قتل خلالها ستة جنود داخل مدرعتهم وما زالت جثة أحدهم وهو أورون شاؤول، محتجزة حتى اليوم بأيدي حماس.
بعد الشجاعية، توجد النصيرات المكتظة والواقعة وسط غزة، والمركز المدني لغزة، شارع عمر المختار وكل شارع صلاح الدين الذي يصل إلى دير البلح، كما يقول إلدار، وهو المكان الذي يذكره مستوطنو "غوش كطيف" حيث جثمت هناك مستوطنة "كفار دروم"، ومن يشتاق لذاك المكان عليه أن يذكر كم كان السفر فيه خطرا، وما هي حجم الحراسة العسكرية التي كانت مطلوبة لمرافقة طلاب المستوطنة، التي كانت تقع في قلب التجمع السكاني الفلسطيني، إلى مدارسهم.
تحدي النار في خان يونس ورفح
من هناك يجب التوجه جنوبا إلى خانيونس ورفح حيث "التحدي" الذي يقول إلدار إنه لا يريد أن يسميه "النار"، رغم أن العديد من الجنود استعملوا هذا التعبير كناية عن المكان، وفي خانيونس يقع مخيم اللاجئين الذي كان يحاذي مستوطنة "نافي دكاليم"، حيث ترعرع يحيى السنوار ومحمد الضيف وعبد العزيز الرنتيسي.
هناك تتواجد القوة العسكرية لحماس التي تستعد لاستقبال جنود الجيش، ولا ينسى الصحافي الإسرائيلي أن يُذكّر بمليون لاجئ من شمال القطاع قد أضيفوا إلى سكان المنطقة، الأمر الذي سيجعل المهمة العسكرية مركبة أكثر وربما مستحيلة، على حد قوله، بعدها إلى رفح حيث يقع هناك مخيما لاجئين هما البرازيل والشابورة، وهناك أيضا يوجد "تحدي" إضافي، ويقول إنه تعمد ألا يستعمل تسمية جنود الاحتياط للمنطقة - "جهنم"، حيث كان قد تعرض هناك شخصيا للقذف بالحجارة والصخور، التي لا بد أنها تحولت اليوم في المخيم الملاصق للجدار الحدودي مع مصر، إلى "آر بي جي" وأنفاق نارية مخبأة جيدا في زقاقات المخيم الضيقة، كما يقول.
معركة بطيئة وطويلة
من جهته يتوقع المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، معركة بطيئة وطويلة، ويدعو الجمهور إلى طول نفس وعدم الضغط على كابينيت الحرب والحكومة والجيش، ويقول إن الجيش بحاجة إلى "نافذة زمنية" ليس من الإدارة الأميركية فقط، بل من الجمهور الإسرائيلي لأن الطريق ما زالت طويلة.
الطريق الطويلة التي تترجم زمنيا ببضعة أشهر وربما سنة، كما صرح أكثر من مسؤول إسرائيلي، تعني بمفهوم العديد من المحللين العسكريين والسياسيين غرق الجيش الإسرائيلي في وحل غزة، وفي هذا السياق، حذر الكاتب الأميركي، توماس فريدمان، إسرائيل، من الاستمرار في غزوها البري لغزة كي لا تغوص في وحلها إلى الأبد، وأن تصبح كل "علل" القطاع تحت مسؤوليتها، إلى جانب اضطرارها إلى إدارة سكانه الذين يزيد عددهم على مليوني شخص يرزحون تحت وطأة أزمة إنسانية، كما أن سيناريو من هذا القبيل "سيلطخ"، على حد تعبيره، سمعة الجيش الإسرائيلي الذي ما زال يسعى لاستعادة ثقة الإسرائيليين به.
اسرائيل ستغرق في وحل غزة
داني ربينوفيتش يتوقع أيضا أنه بغياب ما وصفه بـ"إستراتيجية خروج"، فإن إسرائيل ستغرق في الوحل الغزي، ويشير إلى أنه بالرغم من رغبة بايدن بتقويض حماس وتحطيم المحور الإيراني في الشرق الأوسط، فإنه غير محصن بوجه استطلاعات الرأي التي تؤشر إلى أن الكارثة الإنسانية في غزة تضعفه وتزيد من قوة ترامب، لذلك فإنه سيقوم عشية الانتخابات بوضع إسرائيل أمام خيار قاس، وهو إما إلقاء السلاح وإما أن تكمل الحرب لوحدها دون تسليح ودون حاملة طائرات ودون دعم سياسي، ويرى أن انسحابا سياسيا من هذا النوع من شأنه أن يفسر في إيران وربما في روسيا والصين كضوء أخضر لفتح معركة متعددة الجبهات من شأنها أن تؤدي إلى خراب إسرائيل.
لا يوجد حل عسكري في غزة
ويخلص ربينوفيتش إلى القول بعدم وجود حل عسكري في غزة، وإذا لم يتوفر أمل للغزيين والفلسطينيين عموما، فإن المأزق سيتعمق، مشيرا إلى أن نجاح الجيش الإسرائيلي في مهماته من شأنه أن يزيد من تصميم الفلسطينيين وتقربهم وتقرب حلفاؤهم من إطلاق حرب إقليمية، "حرب يأجوج ومأجوج، التي إذا وُجِدت إسرائيل فيها وحيدة، فإنها لن تنتهي مثلما يرغب سموتريتش.