زيلينسكي بين الواقع والتمثيل.. هل سيتحقَّق مشهد الهروب من كييف؟

زيلينسكي بين الواقع والتمثيل.. هل سيتحقَّق مشهد الهروب من كييف؟

زيلينسكي بين الواقع والتمثيل.. هل سيتحقَّق مشهد الهروب من كييف؟

جيرار ديب*

أمام مشهديّة الرعب المسيطرة على الشعب الأوكراني، وسكان كييف تحديداً، الذين عاجل الكثير منهم إلى الهروب من العاصمة، اختلطت الصور في ذهن الرئيس زيلينسكي والممثل السابق المشهور ضمن أبعادها الزمنية الثلاثة.

تقف أوروبا الشرقية من البوابة الأوكرانية على مشارف اندلاع حرب قد يخرج فيها الوضع عن السيطرة، لتصبح حرباً شاملة تشهد اصطفافاً بين الشرق المتمثل بالحلف الصيني - الروسي، والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

ورغم حالة اللاخوف التي يحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إظهارها، من خلال إصداره بياناً توجه فيه إلى شعبه عقب دخول القوات الروسية إلى أراضي بلاده، قائلاً إن "النصر سيكون حليف أوكرانيا"، فإن للآلية العسكرية الروسية رأياً مخالفاً، وقد تستطيع أن تحسم الحرب بأسرع مما يتوقعه زيلينسكي نفسه.

بدأت روسيا عملية عسكرية واسعة النطاق في أوكرانيا، من خلال هجمات برية وبحرية وجوية. في المقابل، أثار إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا موجةً من ردود الفعل الدولية، التي توعَّد بعضها بالتحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف ما وُصف بـ"الهجوم غير المبرر".

كما توعَّد الرئيس الأميركي جو بايدن روسيا بأنَّ العالم سيحاسبها بسبب هجومها على أوكرانيا، ووجّه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش نداءً إلى بوتين لوقف الحرب "باسم الإنسانية"، بعد أن أعلن تنفيذ عملية عسكرية في شرق أوكرانيا.

ضجيج الحرب بدأ صداه يتردَّد في أنحاء عالمٍ بات يحبس أنفاسه تحسّباً للأسوأ، ليس بسبب العملية العسكرية التي قد تحصد مجازر بحق مدنيين أبرياء، بل لانعكاساتها على كل الصعد، أبرزها الصعيد الاقتصادي، فقد تجلَّت أولى بوادره في ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى لأسعار النفط منذ 7 سنوات، إضافة إلى التخوف من ارتفاع أسعار القمح وغيرها من السلع التي تعتبر أوكرانيا من الدول المصدّرة لها في العالم.

أمام مشهديّة الرعب المسيطرة على الشعب الأوكراني، وسكان كييف تحديداً، الذين عاجل الكثير منهم إلى الهروب من العاصمة، اختلطت الصور في ذهن الرئيس زيلينسكي والممثل السابق المشهور ضمن أبعادها الزمنية الثلاثة، ما شتَّت وعيه وإدراكه، بين ماضٍ عاشه في مسلسله الأخير، عندما أدى دور رئيس أوكرانيا، والذي عُرض فيه مشهد هروب جماعي للسكان من كييف، وحاضر يتقلّد فيه فعلاً منصب رئيس البلاد، ويعيش على وقع تهديدات روسيا باجتياح بلاده، ومستقبل قد تتجسَّد فيه الصور التمثيلية في الواقع المعيش، وهو ما يدفع المتابع الذي شاهد المسلسل، والذي يتابع هجوم روسيا على كييف، إلى التساؤل: هل سيصبح مشهد الهروب الجماعي من كييف، بينما يقف زيلينسكي وحيداً ينتظر المصير البائس، حقيقةً أو أنه سيتمكَّن من قراءة جدية القرار الروسي والتخاذل الغربي الذي يقف عند باب التهديد والوعيد، ويأخذ قراره الجريء بإبعاد كييف عن ذلك المشهد؟

بالعودة إلى الوراء قليلاً، كان زيلينسكي قد شارك في بطولة مسلسل "خادم الشعب"، وهو مسلسل ساخر بثّ بين العامين 2015-2019، أدى فيه دور البطولة، وجسّد دور أستاذ التاريخ في المدرسة الثانوية، فاسيل بتروفيتش، قبل دخوله معترك السياسة، وقبل أن يصبح رئيساً لأوكرانيا بالفعل.

يدور المسلسل حول أستاذ التاريخ فاسيل الذي يصبح فجأة رئيساً لأوكرانيا. يحاول فاسيل أن يعيش حياة عادية من دون كلّ "امتيازات الرئيس"، ويعمل بجدّ لبناء دولة جديدة. وخلال ذلك، يحارب جيشاً من البيروقراطيين الفاسدين والمخادعين. وفي أحد مشاهد المسلسل المأساوية، يتجوَّل الرئيس في شوارع كييف من دون أن يجد أحداً فيها، بعد أن يكون السكّان قد فرّوا. عندها، يذهب إلى المطار ليشاهد آخر طائرة مغادرة.

إذا كان وصول زيلينسكي إلى سدة الحكم تحقَّق في أرض الواقع، فإنَّ مشهد الهروب الكلي من كييف لم يحصل، رغم حصول بوادر محدودة عليه. في خضمّ الأزمة المشتعلة حالياً مع روسيا، غادر بعض المسؤولين ورجال الأعمال البلاد، ورصدت مواقع تتبّع الطائرات مغادرة 20 طائرة خاصة أوكرانيا يوم 13 شباط/فبراير الحالي، متجهةً إلى الدول الغربية، وهو رقم لم يُسجَّل منذ نحو 6 سنوات على الأقل. وقد أدان الرئيس زيلينسكي هذا الهروب الجماعي، مؤكداً أنه لن يغادر بلاده، مهما حدث.

تدحرجت الأمور بين روسيا وأوكرانيا إلى الأسوأ، ودخلت في المحظور. على وقع الهجوم الروسي، يعيش زيلينسكي هاجس المشهد الَّذي لا يريده أن يتحقَّق. لقد سقطت كلّ الطرق الدبلوماسية للحلّ، وسقطت معها اتفاقية "مينسك"، وبدأ سقوط القتلى والجرحى بين طرفي الصراع.

وما بات منتظراً في الأيام القادمة هو الموقف الغربي من هذا الصراع، وكيفية ترجمة الغرب لتهديداته المتواصلة لروسيا، فهل ستقف عند الدفع بحزمة عقوبات عليها أو ستنفّذ عملية عسكرية تهدف إلى فرملة الهجوم؟

صحيح أنَّ موازين القوّة تميل إلى مصلحة الجيش الروسي الذي يصنّف من الجيوش الأكثر فتكاً على الصعيد العالمي، ولكنّ المؤكد أنَّ الأمور قد لا تصل إلى مرحلة احتلال أوكرانيا لأكثر من سبب:

- تعبير المسؤولين الروس في أكثر من مناسبة عن عدم رغبتهم في فتح حرب شاملة على الجبهة الشرقية من أوروبا، لكنَّهم يسعون لأخذ ضمانات أمنية أكثر جدية من الغرب.

- في قراءةٍ لكتاب "صدام الحضارات" للباحث الأميركي صمويل هنتنغتون، يُستبعد قيام روسيا ذات العقيدة الأرثوذوكسية بضرب كييف ذات الغالبية الأرثوذوكسية. وحتى لو كان القرار سياسياً وعسكرياً، قد يواجه بوتين رفضاً من الكنيسة الأرثوذوكسية صاحبة النفوذ القوي في دوائر القرار للإبادة الشاملة للشعب الأوكراني.

- إظهار الرغبة القتالية العالية للشعب الأوكراني في الدفاع عن بلاده تحت عنوان "اللجان الشعبية". وهنا، يدرك بوتين حجم الخسائر التي قد تسبّبها هذه الحرب.

أخيراً، لا يريد زيلينسكي أن يتحقَّق المشهد في مسلسله، وأن يرى كييف خالية من سكانها. لهذا، يحاول جاهداً الارتكاز على الدعم الغربي عبر تطمينات تلقاها من الرئيس الأميركي غداة الهجوم الروسي على بلاده، لكن من المنتظر أن يتخذ قرار التخلّي عن انضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، السبب الرئيسي للحرب الروسية، كي لا يضطرّ إلى أن يرى المشهد الحزين الذي مثّله في مسلسله، وتجنباً لإراقة الدماء، وخصوصاً إذا شعر بأن الغرب لن ينفّذ تهديداته. لهذا، ستكون السّاعات المقبلة أكثر من حاسمة لسير العمليات العسكرية على أرض أوكرانيا، وأكثر وضوحاً أمام زيلينسكي كي يتخذ القرار بإبعاد شبح الحرب عن كييف.

  • استاذ جامعي وكاتب لبناني

عن موقع الميادين

 

 

اشارات