اقتصاد نابلس في دائرة الحصار

اقتصاد نابلس في دائرة الحصار

نابلس- منذ سبعة عشر يوما، اختفى دخان الشواء وحركة المركبات المزدحمة لرواد المطاعم والمحلات التجارية التي تشتهر بها قرية دير شرف غرب نابلس، بعدما خيم دخان القنابل الغازية المسيلة للدموع على ليالي القرية، وأحكم الاحتلال الإسرائيلي قبضته عليها بالسواتر الترابية والنقاط العسكرية.

وعلى بعد أمتار من السواتر الترابية التي أقامها جيش الاحتلال منذ الحادي عشر من الشهر الجاري على مدخل القرية، الذي يربط بين محافظات نابلس وطولكرم وجنين، يجلس عدد من المواطنين أمام مطاعمهم ومحلاتهم التجارية المغلقة.

المواطن صابر سمارة صاحب مطعم وادي الشعير، والذي تضرر بفعل الإغلاق، تحدث لمراسل "وفا"، بأنه يحضر يوميا منذ الإغلاق للجلوس أمام مطعمه برفقة جيرانه لتناول القهوة والشاي فقط بهدف حمايتها، بعدما شُلت الحياة التجارية في القرية.

ويضيف سمارة "بعدما كانت القرية مزارا لرواد المطاعم من محافظات الوطن ومن داخل أراضي العام 48، وتعجّ بحركة دائمة وحتى ساعات متأخرة بعد منتصف الليل، لم نستقبل أحدا منذ الإغلاق فلا أحد يستطيع الوصول إلى القرية بعدما فقد الأمان".

ثلاث عشرة عائلة يعمل أبنائها في المطعم وفق سمارة، انقطع مصدر رزقها الوحيد بفعل الإغلاق، فيما بلغت خسائره حتى اليوم قرابة ستين ألف شيقل.

"خسائرنا في هذا الإغلاق هي الأصعب والأعلى منذ افتتاح المطعم عام 1997، عشنا الحصار في انتفاضة الأقصى عام 2000، لكن كنا نفتح المطاعم رغم قيود الاحتلال"، يضيف سمارة.

وعلى مقربة من سمارة، يجلس جمال موسى أمام محله "استراحة وسوبر ماركت موسى" على بعد قرابة 20 مترا من السواتر الترابية، قال لـ"وفا": "منذ 17 يوما الدخل اليومي لعائلتي يساوي صفر".

ويؤكد موسى أن خسائره اليومية تتراوح بين 2000-3000 شيقل، حيث أغلق المحل أبوابه منذ فرض الحصار على القرية، إضافة إلى خسائر يومية يتكبدها كمصاريف تشغيلية للمحل من كهرباء وإنارة لثلاجات البوظة والألبان والمجمدات داخل المحل.

ويعتاش موسى برفقة عاملين اثنين لديه داخل المحل من عملهم بالسوبر ماركت منذ عام 1982، وبرمج حياته المعيشية على مستوى دخله، فالتحق اثنان من أبنائه بمدارس خاصة وأخرى بكلية الطب والرابع تخصص علاقات عامة، لكنه سيضطر للجوء لخيارات صعبة ما إذا استمر الإغلاق لتغيير نظام حياته وفق قوله، وربما تأجيل الفصل الجامعي المقبل لأولاده.

"لم يمر علينا خسائر اقتصادية وحصار كذلك، أعادنا المشهد لانتفاضة الأقصى عام 2000 حيث اضطررت لإغلاق المحل لمدة عام وثمانية أشهر إثر الإغلاق المفروض، وتكبدت خسائر تجاوزت 180 ألف شيقل فترتها"، يتابع موسى.

ويشير موسى "إذا استمر الإغلاق ستكون الضربة القاضية لي بمجال عملي".

وسمارة وموسى هما من بين 100 مطعم ومحل بقالة ومعارض مفروشات ومخابز تمتد على طول الطريق الرئيس في قرية دير شرف، اضطرت لإغلاق أبوابه إثر الحصار المفروض ما أدى لتكبدها خسائر اقتصادية فادحة، وفق ما يوضح رئيس المجلس القروي شادي أبو حلاوة لـ"وفا".  

ويضيف أبو حلاوة أن أكثر من 600 عامل يعيلون عائلاتهم تضررت أعمالهم بفعل الإغلاق بشكل كلي وجزئي، يعملون بمحلات البلدة والمنطقة الصناعية غربها.

ولا يختلف الحال كثيرا داخل مدينة نابلس والبلدات المحيطة بها، والتي يضيق الاحتلال الخناق عليها منذ 17 يوما، بعدما شدد من قبضته العسكرية على مداخلها ومخارجها، بأكثر من عشرة حواجز ونقاط وبوابات عسكرية وسواتر ترابية.

ويبدو أثر الحصار المفروض على المدينة واضحا، بتذبذب حركة المركبات داخل المدينة التي اعتادت على الازدحامات المرورية، وتراجع الحركة الشرائية من أسواقها، والإنتاجية إلى مستويات متدنية في المصانع والمشاغل.

كما يظهر ذلك واضحا في الصناعات الإنتاجية التي تتميز بها مدينة نابلس، كصناعة الطحينية والتي تضم المدينة 22 مصنعا من أصل 34 مصنعا على مستوى الوطن، حيث تراجع الإنتاج إلى قرابة 50% بفعل الإغلاق وفق ما يؤكد رئيس نقابة أصحاب مصانع الطحينية علاء تمام.

ويشير إلى أن 4 مصانع من أصل 22 في مدينة نابلس تتواجد في بلدة حوارة وآخر في بلدة بيت فوريك، وتراجعت نسبة الإنتاج فيها إلى 30%، إثر عدم تمكن العاملين من الوصول إليها بفعل الإغلاقات، كما تعرض أحد تلك المصانع إلى اعتداءات المستوطنين.

وأدى الإغلاق وفق تمام، إلى عدم تمكن العاملين من الوصول للمصانع وكذلك إلى نقص المواد الخام اللازمة لصناعة الطحينية وصعوبة إدخالها لمدينة نابلس، وتراجع توزيع المنتجات إلى بقية المحافظات، خشية على حياة العاملين.

ويخشى تمام من استمرار الإغلاق وأثره على المصانع التي قد تضطر إلى الخروج من السوق إثر عدم المقدرة على الاستمرار.

بدوره، قال عضو مجلس الإدارة، الناطق باسم غرفة تجارة وصناعة نابلس ياسين دويكات لـ"وفا"، إن إجراءات الاحتلال وحصاره المستمر للمدينة بمنع الدخول والخروج منها، أدى لتكبد خسائر اقتصادية صعبة، وأثر على حركة التجارة، وخلو أسواقها من المتسوقين.

وأضاف دويكات أن معظم القطاعات الاقتصادية النابلسية ضُربت بنسب متفاوتة، مشيراً إلى خسائر فادحة لحقت بقطاع النقل والسياحة.

ونوه إلى أن القطاع السياحي والمنشآت السياحية: المطاعم والمقاهي والمتنزهات والمنتجعات والحمامات تراجع عملها بنسبة 90% وتعمل بنسبة 10% فقط، موضحاً أن معظم مستخدمي المنشآت السياحية النابلسية هم من الأهالي من داخل أراضي العام 48 والمحافظات الأخرى وأهالي قرى وبلدات نابلس.

وأوضح أن قطاع الصناعة الذي تمتاز فيه مدينة نابلس، تراجع العمل ببعض قطاعاتها بنسب تجاوزت 60% إثر الإغلاق، مثل صناعة الطحينية والمفروشات، فيما يعمل قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 40%، وقطاع الملابس والأحذية بنسبة لا تتجاوز 20%.

عن (وفا)