هآرتس: مصر لن توافق على فتح معبر رفح إلا بالتنسيق مع "السلطة الفلسطينية"
مصر لن توافق على فتح معبر رفح إلا بالتنسيق مع "السلطة الفلسطينية"
بقلم: تسفي برئيل / هآرتس
القيادي في حماس، غازي حمد، بدا حاسماً في أقواله يوم الجمعة، والتي بحسبها “لن تسمح حماس بأي شكل من الأشكال ببقاء جيش الاحتلال في أي مكان في قطاع غزة”. في الحقيقة، الانسحاب الكامل من القطاع كما طالبت خطة الرئيس الأمريكي في أيار، غير مطروح للتفاوض في هذه المرحلة، لكن مكانة محور فيلادلفيا ومعبر رفح، جزء لا يتجزأ من الخطة، على الأقل حسب موقف مصر.
في بداية أيار، سيطرت إسرائيل على معبر رفح، ورداً على ذلك قررت مصر إغلاقه أمام حركة البضائع والأشخاص. دخلت المساعدات الإنسانية إلى القطاع من معابر حدودية أخرى، لكن المرضى والمصابين الذين يحتاجون إلى علاجات معقدة في مصر أو في دول عربية أخرى، لا يسمح بخروجهم من القطاع. الـ 11 طفلاً المرضى بالسرطان الذين خرجوا الخميس الماضي مع مرافقيهم إلى الأردن، هم حالة استثنائية في الأشهر الأخيرة. الجهود الدبلوماسية والضغط الشديد الذي تمارسه الولايات المتحدة على مصر لفتح المعبر، لم يثمر حتى الآن، وموقف القاهرة حاسم ولم يتغير منذ أيار.
تصر مصر على أنها لن توافق على فتح معبر رفح إلا إذا شغل الطرف الغزي من المعبر رجال السلطة الفلسطينية أو أي جسم فلسطيني آخر يُتفق عليه. “ما دامت إسرائيل مسيطرة على المعبر، فلن تتعاون القاهرة”، قالوا في مصر. حسب المصريين، فإن أي تعاون مع إسرائيل على إدارة المعبر لن يعطي فقط شرعية للسيطرة على المعبر، بل يعتبر تطبيعاً لاحتلال إسرائيل للقطاع. إن طلب مصر بنقل إدارة المعبر إلى السلطة هو طلب رفضته إسرائيل بشكل قاطع، وقالت إنه لن يكون للسلطة أي دور في إدارة القطاع، بما في ذلك معبر رفح. في عدة مناسبات أثناء الحرب، جرت عدة محاولات لإيجاد بديل فلسطيني لإدارة المعبر. قبل شهر، نشر موقع “اكسيوس” عن لقاء بين أمين سر م.ت.ف، حسين الشيخ، وجهات إسرائيلية؛ لفحص إمكانية دمج موظفين فلسطينيين في المعبر، لكن اللقاء انتهى دون اتفاق.
موقف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، حاسم مثل موقف رئيس الحكومة نتنياهو وموقف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي بحسبه يجب على السلطة الفلسطينية، بشكل علني وبدون تمويه أو تقنع، أن تكون صاحبة البيت في غزة. ستكون السلطة مستعدة لتحمل المسؤولية عن ذلك، لكن في إطار حل سياسي شامل. في هذا الأسبوع، عند وصول طواقم الوساطة من إسرائيل وقطر إلى مصر لاستئناف المفاوضات التي بدأت في نهاية الأسبوع في الدوحة، يتوقع طرح قضية المعبر ومحور فيلادلفيا مرة أخرى. وحتى الآن، لا يبدو أن للطرفين أي وصفة فيها إرضاء للجميع.
للوهلة الأولى، يبدو أن قضية السيطرة على محور فيلادلفيا أقرب للحل من مسألة إدارة معبر رفح، لكن هاتين المسألتين ترتبط إحداهما بالأخرى، وربما تحددان مستقبل المفاوضات حول إطلاق سراح المخطوفين. الأربعاء الماضي أوضح رئيس الأركان هليفي بأن الجيش الإسرائيلي يعرف كيفية التعامل مع أي قرار للحكومة، سواء قررت إبقاء الجيش في المحور أو تنفيذ اقتحامات عارضة حسب الحاجة، أي بدون وجود دائم في المحور. القرار سياسي وليس عسكرياً، وهو في يد نتنياهو، الذي يتعرض لضغوط سياسية معروفة.
مصر من ناحيتها، أوضحت بأنها على استعداد لإقامة عائق عسكري وتكنولوجي متطور يمنع نقل السلاح والمعدات على طول الحدود، لكنها تطالب بأن لا يكون تمويل إقامة هذه المنظومة من جيبها، وهو طلب لن يشكل أي عقبة، لكن الجدول الزمني لإقامة هذا العائق وتجربة الماضي غير الناجحة التي كانت مع منظومة مشابهة على طول الحدود بين مصر وغزة، ستصعب الأمور أكثر.
في 2009 بنت مصر جداراً فاصلاً من الفولاذ، وضع على طوله حساسات للصوت وكاميرات وأجهزة استشعار وحساسات إلكترونية أخرى. في حينه، اعتبر “غير قابل للاختراق”. خلال سنة، تبين أن هذا الاستثمار الضخم دون جدوى. من يقومون بلحم الحديد من غزة ونجحوا في ثقب الجدار الفولاذي وبناء أنفاق جديدة تجاوزت صفائح الفولاذ المدفونة في عمق 20 متراً، استأنفوا الحركة تحت الأرض على جانبي الحدود. والمنطقة العازلة التي أقامتها مصر بين القطاع وشبه جزيرة سيناء لم تؤثر في مهندسي حماس ومقاولي الحفريات.
الاقتراح الذي نوقش مؤخراً، وهو وضع قوة متعددة الجنسيات تقوم بدوريات ثابتة ومكثفة على طول الحدود، هو اقتراح لم تتحمس له مصر؛ لأنه يمس بسيادتها ويعبر عن عدم ثقة بقدرتها على حماية حدودها. من هنا، فإن المفهوم الجديد “تخفيف القوات” (الذي معناه العملي غير واضح تماماً)، لن يلبي طلب مصر التي ترى في وجود قوة إسرائيلية عسكرية ثابتة في قطاع غزة، أمراً يخرق اتفاق كامب ديفيد، وبالتأكيد لا يلبي طلب حماس النهائي.
وإذا تم تسلم صيغة تقبلها إسرائيل ومصر حول مسألة محور فيلادلفيا، فهي لا تحل مسألة معبر رفح، خصوصاً في قضية السيطرة المدنية والعسكرية بغزة في كل مرحلة من مراحل المفاوضات. حماس في الحقيقة غيرت موقفها الأساسي ولم تعد تطالب بوقف الحرب أو انسحاب إسرائيل الكامل في المرحلة الأولى للصفقة، بل تربط ذلك بتنفيذ المرحلة الثانية. بخصوص إدارة غزة، أوضحت حماس بأنها ستكون مستعدة للتعاون مع السلطة الفلسطينية بواسطة “حكومة خبراء”، كما يبدو على صورة الحكومة التي تم تشكيلها في 2017. ولكن هذه الاقتراحات غير واردة بالنسبة لإسرائيل.
يبدو أن المرحلة الأولى في صفقة التبادل لا تقتضي مناقشة قضية إدارة قطاع غزة، لذلك لا يدور الحديث عن انسحاب إسرائيل من غزة، لكن المتحدثين بلسان حماس يوضحون أن رفض إسرائيل الالتزام بمناقشة هذه القضية بعد المرحلة الأولى للصفقة إنما يدل على عدم نيتها الانسحاب أو وقف الحرب بشكل كامل. وبقدر ما يمكن معرفته من تصريحات المتحدثين والمحللين في مصر الذين يعكسون المزاج السائد في الحكومة المصرية، فثمة من يقدرون بأن إسرائيل ستستأنف القتال في القطاع بعد تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة، وأن على مصر حينذاك الاستعداد لعودة إسرائيلية للسيطرة على محور فيلادلفيا.
على هذه الخلفية، يحاول السيسي أن يحصل من الرئيس الأمريكي على ضمانات قوية بعدم عودة إسرائيل لاستئناف الحرب حتى إذا تباطأت المحادثات حول المرحلة الثانية أو فشلت. “هناك عدم ثقة سائد بين مصر والمستوى السياسي في إسرائيل”، قال للصحيفة محلل مصري يكتب في صحيفة رسمية. “في السابق، كان يمكن إنهاء الأمور بدون ورقة عمل أو صياغة تعاقدية. أما الآن فلا يمكننا الثقة بوعود أو تعهدات غير مقرونة بضمانات طرف ثالث، مثل الولايات المتحدة التي نجد صعوبة حتى في الوثوق بها”. حسب قول هذا المصدر، فإن مصر لا تميز بين وقف الحرب ومسألة محور فيلادلفيا ومعبر رفح. فالقرار حول الانسحاب من محور فيلادلفيا قد يخدم مصر كضمانة تبحث عنها لوقف الحرب، وفي الوقت نفسه تهدئة حماس.