الاقتصاد السوري تحت الأنقاض: فاتورة الحرب التي لا تنتهي

الاقتصاد السوري تحت الأنقاض: فاتورة الحرب التي لا تنتهي

الاقتصاد السوري تحت الأنقاض: فاتورة الحرب التي لا تنتهي

مع دخول الصراع في سوريا عامه الثالث عشر، يواصل الاقتصاد السوري دفع فاتورة باهظة لصدمات الحرب والتدهور المستمر. فقد أسفرت النزاعات والاضطرابات عن انهيار الإنتاج المحلي، وتفاقم الأزمات المعيشية، وارتفاع معدلات الفقر والتضخم إلى مستويات غير مسبوقة، مما جعل الحياة اليومية لمعظم السوريين معركة بقاء في مواجهة واقع اقتصادي وأمني قاسٍ.

شهدت محافظة حلب السورية، الأسبوع الماضي، هجوماً مباغتاً يعد الأعنف منذ سنوات، بين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة)، وفصائل معارضة أقل نفوذاً، وتمكّنت من التقدم بموازاة سيطرتها على عشرات البلدات بمحافظتَي إدلب وحماة.

وبذلك أصبحت المدينة "للمرة الأولى خارج سيطرة قوات النظام منذ اندلاع النزاع" عام 2011.

ومن المتوقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في سوريا بنسبة 1.5 في المئة في 2024، وفي عام 2022 طال الفقر 69 في المئة من السكان، ووصل معدل الفقر المدقع إلى 27 في المئة، مرتفعاً من مستوى ضئيل للغاية في عام 2009، بحسب تقرير البنك الدولي الصادر في مايو أيار الماضي.

 

الوضع الاقتصادي في سوريا

استمر الوضع الاقتصادي في سوريا في التدهور في عام 2023، وتراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 1.2 في المئة على أساس سنوي، خاصة على طول الحدود الغربية لسوريا، ويعود ذلك جزئياً إلى ضعف النشاط التجاري.

وتُظهر بيانات إحراق الغاز ليلاً أيضاً انخفاضاً بنسبة 5.5 في المئة على أساس سنوي في إنتاج النفط، ويعود ذلك جزئياً إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الزلازل والصراعات.

وعلى الرغم من التحسن الذي شهده الإنتاج الزراعي بسبب تحسن الأحوال الجوية في عام 2023 (من أدنى مستوى تاريخي تقريباً في عام 2022)، فقد أثر الصراع بشدة على قطاع الزراعة مع نزوح أعداد هائلة من المزارعين والأضرار واسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية وشبكات الري، ما أدى إلى انخفاض في المحاصيل، كما أثرت الاضطرابات المرتبطة بالصراع تأثيراً شديداً على التجارة الخارجية.

شهدت محافظة حلب شمال سوريا، الأسبوع الماضي، تصعيدًا مفاجئًا يُعدّ الأشد عنفًا منذ سنوات، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين هيئة تحرير الشام (المعروفة سابقًا بجبهة النصرة قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة) وفصائل معارضة ذات نفوذ أقل. وأسفرت المواجهات عن تقدم هيئة تحرير الشام وسيطرتها على عشرات البلدات في محافظتَي إدلب وحماة.

لأول مرة منذ اندلاع النزاع عام 2011، أصبحت مدينة حلب خارج سيطرة قوات النظام السوري، في تطور يعكس تغييرات كبيرة في موازين القوى على الأرض.

 

تفاقم الوضع الاقتصادي في سوريا

دخل الصراع في سوريا عامه الثالث عشر، حاملاً معه تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة. في عام 2023، تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر نتيجة الصدمات الخارجية واستمرار النزاع. فقد شهدت الأسر السورية تراجعًا حادًا في مستويات المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار، وتدهور الخدمات الأساسية، وزيادة البطالة، في ظل نقص التمويل والمساعدات الإنسانية.

وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في مايو/أيار الماضي، من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا بنسبة 1.5% في عام 2024، بعد أن بلغ معدل الفقر 69% من السكان عام 2022، بينما وصل الفقر المدقع إلى 27%، مقارنة بمستويات منخفضة للغاية في عام 2009.

 

تدهور القطاعات الاقتصادية

خلال عام 2023، تراجع النشاط الاقتصادي في سوريا بنسبة 1.2%، خاصة في المناطق الغربية، نتيجة ضعف النشاط التجاري. وأظهرت بيانات إحراق الغاز ليلاً انخفاضًا بنسبة 5.5% في إنتاج النفط، بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية جراء الزلازل والصراعات.

ورغم تحسن الإنتاج الزراعي نسبيًا بفعل ظروف الطقس المواتية مقارنة بعام 2022، إلا أن القطاع الزراعي لا يزال يعاني من آثار النزاع، بما في ذلك نزوح المزارعين وتضرر البنية التحتية وشبكات الري. كما أدت هذه الاضطرابات إلى انخفاض المحاصيل وتأثر التجارة الخارجية بشدة.

 

انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي في سوريا

يشهد الاقتصاد السوري تراجعًا كبيرًا بفعل انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات، لا سيما الواردات الغذائية التي تضاعفت أهميتها منذ اندلاع الصراع عام 2011.

وفي عام 2023، شهدت الليرة السورية انخفاضًا حادًا في قيمتها بنسبة 141% مقابل الدولار الأميركي، بينما ارتفع تضخم أسعار المستهلكين بنسبة 93%. تفاقم هذا الوضع نتيجة خفض الدعم الحكومي على السلع الأساسية.

 

تراجع الإنفاق الحكومي

مع تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع الإيرادات العامة، لجأت الحكومة إلى تقليص الإنفاق بشكل كبير، خصوصًا في الإنفاق الرأسمالي، بالتوازي مع سياسات ضبط صارمة على برامج الدعم.

 

صدمات متعددة تؤثر على الاقتصاد السوري

أكد جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي، أن سوريا تعرضت في عام 2023 لعدة صدمات متداخلة، أبرزها زلزال فبراير/شباط وتأثيرات الصراع الإقليمي. وأضاف أن قدرة سوريا على استيعاب هذه الصدمات تراجعت بشكل كبير بعد أكثر من عقد من الصراع الدموي، خاصة مع انخفاض تدفقات المساعدات الإنسانية وزيادة التوترات الجيوسياسية.

 

استمرار الانكماش الاقتصادي

وفقًا لتقرير المرصد الاقتصادي لسوريا (ربيع 2024)، من المتوقع أن يواصل الاقتصاد السوري انكماشه في عام 2024 بنسبة 1.5%، بعد انكماش بنسبة 1.2% في عام 2023. ويُتوقع أن يستمر الاستهلاك الخاص، الذي يُعد المحرك الرئيسي للنمو، في التراجع بسبب ارتفاع الأسعار وتآكل القوة الشرائية.

كما يُتوقع أن يبقى الاستثمار الخاص ضعيفًا بسبب استمرار عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي. وسيتواصل التضخم المرتفع بفعل تراجع قيمة العملة، نقص العملات الأجنبية، واحتمال تقليص الدعم الحكومي للمواد الأساسية مثل الغذاء والمحروقات.

 

ارتفاع معدلات الفقر

في عام 2022، بلغت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر 69%، أي حوالي 14.5 مليون شخص، بينما تأثر أكثر من 27% بالفقر المدقع، بعد أن كان هذا المعدل شبه معدوم قبل عام 2011.

تفاقمت هذه الأوضاع بسبب زلزال فبراير/شباط 2023 وتأثيرات خارجية كالأزمة المالية في لبنان وجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا.

ويظهر التقرير أن الفقر في سوريا يتركز في ثلاث محافظات رئيسية: حلب، حماة، ودير الزور، حيث يعيش أكثر من 50% من الفئات الأشد فقرًا. كما أن الأسر التي تعيلها النساء والأسر النازحة داخليًا تُعد الأكثر عرضة للفقر.

تلعب التحويلات المالية من الخارج دورًا حيويًا في تخفيف حدة الفقر، حيث تسهم في خفض معدلات الفقر المدقع بنسبة 12 نقطة مئوية، وخفض معدلات الفقر العامة بمقدار 8 نقاط مئوية، ما يجعلها مصدرًا رئيسيًا لدعم الأسر السورية.


Share:


آخر الأخبار