من أهداف التنمية المستدامة:الصحة الجيدة

من أهداف التنمية المستدامة:الصحة الجيدة

 

من أهداف التنمية المستدامة:الصحة الجيدة

بقلم: نهى نعيم الطوباسي

 

في عام 2020 أي بعد خمس سنوات من إعلان أهداف التنمية المستدامة، نشرت جمعية الصحة العالمية تقريرا بعنوان " الأحوال الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وفي الجولان السوري المحتل". التقرير تطرق إلى حقيقة تدهور الأوضاع الصحية في فلسطين بسبب الاحتلال الاسرائيلي وممارساته من جهة، وبسبب جائحة كوفيد 19 من جهة أخرى، وهو بالطبع ما يعيق تحقيق مقاصد الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالصحة الجيدة والرفاه بحلول عام 2030. و كشف التقريرأن التدهور في القطاع الصحي، قد انعكس سلباعلى متوسط العمر لدى الفلسطينيين "يزيد متوســط العمر المتوقع لســكان المســتوطنات الإســرائيلية في الضــفة الغربية على متوســـط العمر المتوقع للفلســـطينيين الذين يعيشـــون على الارض نفسها، بتسع سنوات تقريبا، كما يقل معدل وفيات الرضــع لديهم بأكثر من ســت مرات ويقل معدل وفيات الأمومة بتســع ســنوات تقريبا"

ففي الوقت الذي تتجاهل فيه إسرائيل القانون الدولي، ولا تتحمل مسؤولياتها كقوة احتلال بتوفيرالحماية والخدمات الصحية للمدنيين وللجرحى والمرضى وكذلك العجزة والحوامل والنساء حسب اتفاقية جنيف الرابعة، تسعى اسرائيل لكسب ثقة المستوطنين، بمؤسساتها واجهزتها، بتوفير كل مغريات البقاء لهم في فلسطين، وتحقيق مستوى رفاهية وخدمات صحية واجتماعية عالية المستوى، وضمان الاستقرار الاقتصادي ومنظومة متطورة من الحماية الاجتماعية، وارتفاع الدخل، وملاءمة المأوى، والخدمات التعليمية والصحية، وتوفير الأدوية وامتيازات التأمين الصحي، وتطور التقنيات ومراكز البحث العلمي، وتوفر الأسرّة في مراكز الرعاية الصحية، والكوادر الطبية المؤهلة، يعيش المواطن الفلسطيني في حالة من  القهر نتيجة إحاطته بظروف غير آمنة للعيش بكرامة وسلام " يتعرض الفلسـطينيون في الأرض الفلسـطينية المحتلة للإجحافات الصـحية التي تمثل الفوارق المنهجية الناتجة عن الظروف السـياسـية والاقتصـادية والاجتماعية التي يولد فيها الأفراد وينمون ويعيشـون ويعملون ويشـيخون"حسب ما ورد بالتقرير، وهذه نتيجة حتمية لسياسات الاحتلال العنصرية، والحصار والهدم و تفاقم الفقر والبطالة،وضعف الإمكانيات في المنظومة الصحية الفلسطينية من جهة ثانية.

لكن ما يثير الفضول هو سؤال: على ماذا راهنت الأمم المتحدة  في تحقيق  الهدف الثالث، أي الصحة الجيدة والرفاه خصوصا فيالمناطق التي تعاني من الصراعات طويلة الأمد وتدهور الوضع الاقتصادي؟

فأحد مقاصد الهدف الثالث وضع نهاية لوفيات المواليد والأطفال دون سن الخامسة التي يمكن تفاديها بحلول عام 2030،  فماذا عن سياسة اسرائيل بقتل الشعب الفلسطيني، فخلال العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة الأخير سقط 256 شهيدا، من بينهم 66 طفلا و40 امرأة، وهذا رقم من بين آلاف الإحصائيات، التي تدل على أن هذه الأرض تحولت لمقابر للشهداء، فمن ينجو من الولادة أو من الأمراض المعدية، يواجهه موت محتم برصاصة أو قذيفة اسرائيلية.

وكيف ستحقق الأمم المتحدة مقصدها بالحد من الوفيات والأمراض الناجمة عن التعرّض للمواد الكيميائية الخطرة وتلوّث الهواء والماء والتربة بحلول عام 2030، الناتجة عما تقوم به اسرائيل من انتهاك حقيقي للبيئة الفلسطينية وتلويثها وتسميمها بمخلفات النفايات الصلبة،أو بفعل الغازات السامة والمواد المتفجرة التي تلقيها على بيوت المواطنين الفلسطينيين، والتلوث النووي من مفاعل ديمونة الإسرائيلي. وأثر ذلك على حياة الفلسطينيين وتعريضهم  للموت والأمراض الخطيرة؟

ومقصد اخر له علاقة بتوفير إمكانية الحصول على الأدوية واللقاحات الأساسية بأسعار معقولة، لجميع الشعوب، ولكن فلسطين كانت ضحية لحالة التمييز العنصري التي مرت علىالعالم  وأشار لها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، وذلك خلال الاجتماع الافتراضي لـ"منتدى باريس للسلام"، حين قال "العالم دخل ظروف التمييز العنصري في اللقاحات، كما تعرفون تشكل الدول التي تحظى بمستويات عالية للدخل 15% من سكان العالم، لكنها تمتلك 45% من اللقاحات عالميا، فالدول ذات مستويات متوسطة أو منخفضة تشكل حوالي نصف سكان العالم، لكن يأتي من نصيبها 17% من اللقاحات. وبالتالي فإن الفجوة ضخمة بالفعل"

لكن قد تكون حالة التمييز العنصري من قبل الاحتلال الإسرائيلي، هي الأصعب والأبشع، ففي الوقت الذي كانت إسرائيل توفر اللقاحات للإسرائيليين، والمستوطنات،  كانت تتجاهل واجباتها كقوة احتلال حسب الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، وتنتهك ما نصت عليه المادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي أكدت أن "على قوة الاحتلال واجب ضمان اعتماد وتطبيق الاجراءات الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة"،  وحماية المدنيين بتوفير الخدمات الصحية لهم، ومع ذلك فلقد أعاق الاحتلال الإسرائيلي وصول اللقاحات إلى أبناء  الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة،  والأسرى عندما جدّد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، تأكيده على قرار حجب التطعيم عن الأسرى الفلسطينيين وإعاقة تقديم الرعاية الصحية لهم، وحسب هيئة شؤون الأسرى فقد وصل عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967، إلى 222 أسيرا نتيجة التعذيب وسوء المعاملة وتعرضهم للاهمال الطبي.

أما فيما يتعلق بتعزيز الصحة والسلامة العقليتين بحلول عام 2030، السؤال كيف ستضمن الأمم المتحدة  تحقيق  هذا المقصد، من مقاصد أهداف التنمية الستدامة، والحفاظ على السلامة العقلية والنفسية للشعب الفلسطيني الذي يعاني من تفاقم الأزمات الانسانية ومن تفاقم انتهاكات الاحتلال وعدوانه؟

أخيرا، وعلى الرغم من قيام وزارة الصحة الفلسطينية، بتنفيذ خطة الاستجابة للجائحة وبالتنسيق مع وكالة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، ما زال هناك  نقص بالخدمات الصحية، حيث وضعت الجائحة  النظام الصحي الفلسطيني في مأزق، خصوصا مع ازدياد أعداد المصابين، ونقص الأسرّة بغرف العناية المكثفة ونقص المعدات والأدوية، ولتوطين الخدمة الصحية، وتطوير النظام الصحي في كافة المناطق بما فيها القدس الشرقية،  لا بد من التركيز على تنمية الموارد البشرية، وتعزيز البحث العلمي، وتحقيق نظام رعاية صحية أولية قوية، مع خدمات صحية موحدة ومتكاملة ومناسبة.  نعم هذا يحتاج لإمكانيات هائلة، ولكن ليس مستحيلا عند توحيد الجهود والإمكانيات، وتغليب حياة الانسان على الإستثمار والمال، خصوصا في  النظام الصحي للقطاع الخاص، فمراعاة ظروف المواطن ووضعه الاجتماعي وتحقيق عدالة اجتماعية، وتيسير وصول وجودة الخدمة الصحية للمواطن واجب وطني تعزيزا لصموده، أمام حرب الاحتلال على الوجود الفلسطيني. ويبقى السؤال المتكرر دائما على ماذا راهنت الأمم المتحدة، بنجاح تحقيق أهداف الامم المتحدة واستدامة أي انجاز في هذه الخطة بفلسطين، إذا لم تقوم بتحمل مسؤولياتها القانونية بإنهاء الإحتلال؟