رئيس الوزراء الفلسطيني حول اليوم التالي لوقف العدوان على غزة: فلسطين واحدة واعادة اعمار القطاع بجهود مشتركة
كتب الدكتور محمد مصطفى رئيس الوزراء الفلسطيني مقالا نشرته العديد من وسائل الاعلام الحلية والدولية بعنوان ("اليوم التالي في غزة ضمن رؤية وطنية": فلسطين واحدة، مستقبل واحد" - إعادة بناء الأمل) تناول وفيع رؤية الحكومة الفلسطينية لتحقيق الوحدة الجغرافية والسياسية بين شطري الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة، في اليوم التالي لوقف العدوان على قطاع غزة، وسبل اعادة إعمار ما دمره الاحتلال، بالشراكة الوطنية والدعم العربي والدولي.
واشار الى ان الحكومة الفلسطينية ستضطلع بمسؤولياتها في الاغاثة العاجلة للمواطنين في قطاع غزة، وانه سيتم تنفيذ جهود الإغاثة العاجلة والإنعاش المبكر بقيادة وتنسيقٍ استراتيجيّ من الحكومة الفلسطينية، بدعمٍ من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة والدول المانحة والشركاء الدوليين العاملين في قطاع غزة، إضافةً إلى القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني.
كما سيتم إنشاء "هيئة إعادة إعمار غزة" لقيادة وتنسيق وإدارة جميع جهود إعادة الإعمار والإنعاش طويل الأجل، على أن تتمتع الهيئة بشخصية مالية وإدارية مستقلّة، بما يشمل إخضاع أعمالها للتدقيق وفقًا لأعلى المعايير الدولية.
وقال ان خطة استعادة الأمن وسيادة القانون في غزة سوف تتطلب إعادة هيكلة قوة الشرطة، فضلاً عن إعادة دمج وتقنين العاملين فيها على أساس القدرات والاحتياجات. وسوف تشمل هذه العملية أفراداً من قبل عام 2007 وبعده، شريطة نجاح عملية التدقيق وتقييم القدرات.
تؤكد خطتنا على الحاجة الحيوية إلى دمج وتنسيق المؤسسات والخدمة المدنية في مختلف أنحاء الضفة الغربية وغزة. بتعيين قيادات عليا مؤقتة للمؤسسات الحكومية في غزة، لتولي مهامها مؤقتاً إلى حين اختيار المديرين الدائمين من خلال عملية شفافة قائمة على الجدارة. وتعيين شخصيات محلية مستقلة وذات مؤهلات عالية في المجالس البلدية والمحلية لمدة عام واحد. وسيتم تزويد هذه المجالس بميزانيات لدعم المشاريع المحلية التي تلبي الاحتياجات العاجلة، وفقًا لإرشادات واضحة تحددها الحكومة الفلسطينية.
بالاضافة الى تعيين شخصيات محلية مستقلة وذات مؤهلات عالية في المجالس البلدية والمحلية لمدة عام واحد. وسيتم تزويدها بميزانيات لدعم المشاريع المحلية التي تلبي الاحتياجات العاجلة وتقدم فوائد ملموسة لشعبنا في غزة.
وفيما يلي نص المقال:
"اليوم التالي في غزة ضمن رؤية وطنية": فلسطين واحدة، مستقبل واحد" - إعادة بناء الأمل
د. محمد مصطفى
رئيس الوزراء الفلسطيني
عايشنا معاً وعشنا بأسى أكثر من أحد عشرة شهرًا من حرب الإبادة الشعواء على قطاع غزة. والتي شهدت مستويات من القتل الجماعي، والدمار الممنهج، والتهجير القسري، والتجويع ضد أبناء شعبنا، لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً.
في غزة، تخيّم ظلال الخوف واليأس، تحت زخات القذائف التي تتواصل دون هوادة، تجتمع العائلات المذعورة في الملاجئ المؤقتة، بعد أن تحولت بيوتهم إلى ركام. والمدارس والمستشفيات، التي كانت ملاذات آمنة، أصبحت أهداف.. تمزق صرخات رعب الأطفال صمت الليل، بينما يكافح ذويهم لحمايتهم. وتُخيم رائحة الموت في الأجواء، في إجراءات الدفن السريعة تحت القصف، ضمن محاولة الأقارب منح أحبتهم آخر لمحةٍ من الكرامة والوداع الأخير. يتفاقم الجوع والحرمان، مع ندرة وشُحّ المواد الغذائية والمياه النظيفة والإمدادات الطبية. وتثقل جرائم الحرب والمجازر كاهل شعبٍ عانى كثيراً، وكثيراً جداً. ولكن، في خضمّ هذه المحنة، يتجلى صمودٌ أسطوريّ، وبأسٌ شديد ضدّ الاستسلام لليأس. لا بدّ لهذه المعاناة ومسبباتها، التي نتجت ليس فقط من الحرب، بل أيضاً من احتلال طال أمده، لا بدّ أن تنتهي كشرط أساسي لإرساء دعائم السلام والاستقرار.
لم تدخر حكومتنا منذ تشكيلها في نيسان من العام الجاري، جهدًا في سبيل تحقيق استقرار الأوضاع المتدهورة في الضفة الغربية، بالتزامن مع التحضير "لليوم التالي" في قطاع غزة. نحن ملتزمون برعاية وأمن أبناء شعبنا، وحقه في العيش بكرامة، وبقيادة جهود التعافي وإعادة الإعمار، فور التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، جنبا إلى جنب مع الاستمرار في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لترسيخ أسس إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
حال التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ستعمل حكومة فلسطين على تولي مسؤوليتها الكاملة تجاه قطاع غزة، وتقود جهود إعادة توحيد قطاع غزة والضفة الغربية بشكل كامل، إن إعادة توحيد شطري الوطن ليست ضروريةً فقط لتنفيذ جهود الإغاثة والإنعاش وإعادة الإعمار بفعالية وشفافية فحسب، بل تمثل خطوةً نحو الهدف الأسمى المتمثل في الوصول إلى اتفاق سياسي دائم من خلال إحقاق حقوقنا الوطنية، بالتوافق مع القانون الدولي ضمن حل الدولتين.
تشكل رؤيتنا "فلسطين واحدة"، والمتجذرة في وحدة الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية الجامعة، حجر الزاوية في هذه الجهود التي ستكون بوصلة الجهود الشاملة لإعادة إعمار غزة، وإعادة توحيدها مع الضفة الغربية، بما يشمل معالجةً الأزمة الإنسانية غير المسبوقة، وبموازاة مواصلة نضالنا الثابت لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإحقاق حقوقنا الوطنية في تقرير المصير والاستقلال، كوسيلة وحيدة لتحقيق السلام والأمن الدائمين.
لكننا لا نستطيع تحقيق ذلك بمفردنا، حيث يتطلب حجم الدمار غير المسبوق والاحتياجات الهائلة في قطاع غزة استجابةً دوليةً منسقةً وقويةً، وتستدعي إدارة القطاع، واستعادة الخدمات الأساسية، وإعادة بناء البنية التحتية، وإعادة توحيد المؤسسات، وتحقيق الاستقرار ومقومات الحياة الكريمة لأبناء شعبنا، التزامًا ودعمًا دوليًا كبيرًا، ودون ذلك وفي غياب التضامن والتحرك الدولي الشامل، سيبقى الطريق نحو الإنعاش، وإعادة الإعمار، والحلم بالسلام، وَعِرًا، ومُستحيلًا.
وعلى الصعيد الداخلي، لا يختلف اثنان على أهمية ومركزية دعم العناصر الرئيسية للنظام السياسي الفلسطيني من خلال وحدة فلسطينية ترسي أسس وقواعد الديمقراطية الشفافة والانتقال السلمي للسلطة والتعددية، لتسهيل عمل حكومةٍ فلسطينيةٍ غيرِ حزبيةٍ وتمكينها من إدارة شؤون شعبنا في كافة أنحاء غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
إن تمكين السلطة الفلسطينية من العمل ضمن نظام حوكمة موحد هو السبيل المناسب والوحيد للمضي قدمًا، حيث يشكل هذا الإطار الناظم شرطاً وضرورةً، ليس فقط لإعادة إعمار غزة، بل لضمان وضع فلسطين، بل والمنطقة، على الطريق الأمثل للسلامٍ والأمنٍ والاستقرارٍ الدائم، والازدهار المستدام.
ان خطة الحكومة لـ "اليوم التالي" لإدارة غزة، التي عملت على وضع تفاصيلها حكومتي خلال الأشهر الماضية، هي جزء من جهد أوسع لتعزيز عمل الحكومة وتمكينها، ولإعادة بناء الثقة مع أبناء شعبنا، وتعزيز أسس الديمقراطية والرفاهية على الصعيدين المحلي والوطني.
وانطلاقًا من رؤية "فلسطين واحدة"، ترتكز هذه الخطة على الركائز الأساسية التالية:
1. الإغاثة العاجلة والإنعاش المبكر
سيتم تنفيذ جهود الإغاثة العاجلة والإنعاش المبكر بقيادة وتنسيقٍ استراتيجيّ من الحكومة الفلسطينية، بدعمٍ من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة والدول المانحة والشركاء الدوليين العاملين في قطاع غزة، إضافةً إلى القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني. وتشمل الأولويات إزالة الأنقاض، وتوفير مأوى مؤقت كريم، واستعادة الخدمات الأساسية مثل المياه والصرف الصحي، والطاقة، والصحة، والتعليم. وفي ذات الأهمية، دعم سُبل العيش والإنعاش والتمكين الاقتصادي التي تعتبر من الأمور ذات الأهمية البالغة. على أن يتم تُنسيق كامل هذه الجهود بشكل وثيق مع الوزارات والهيئات الفلسطينية المعنية، وهيئات الحكم المحلي. ولضمان فعالية وكفاءة سير العمل، سيتم تشكيل لجنة محلية للإنعاش المبكر في غزة لتنسيق جميع هذه الجهود والتأكد من مواءمتها مع خطة الحكومة الأوسع للإغاثة والإنعاش وإعادة الإعمار.
2. إعادة الإعمار والإنعاش الطويل الأجل
سيتم إنشاء "هيئة إعادة إعمار غزة" لقيادة وتنسيق وإدارة جميع جهود إعادة الإعمار والإنعاش طويل الأجل، على أن تتمتع الهيئة بشخصية مالية وإدارية مستقلّة، بما يشمل إخضاع أعمالها للتدقيق وفقًا لأعلى المعايير الدولية. وأن يشرف عليها مجلس إدارة يتألف من كفاءات فلسطينية مشهود لها بالإنجاز والسمعة الحسنة، بما في ذلك من الشتات. وأن يتم إنشاء "صندوق ائتماني لإعادة إعمار غزة" في البنك الدولي لحشد الموارد المالية، مع إشراف وتوجيه من قبل مجلس استشاري دولي، وذلك لضمان أقصى درجات الشفافية والمساءلة.
3. الأمن وسيادة القانون والسيطرة على الحدود
إن استعادة الأمن وسيادة القانون في غزة سوف تتطلب إعادة هيكلة قوة الشرطة، فضلاً عن إعادة دمج وتقنين العاملين فيها على أساس القدرات والاحتياجات. وسوف تشمل هذه العملية أفراداً من قبل عام 2007 وبعده، شريطة نجاح عملية التدقيق وتقييم القدرات. وسوف تعمل القيادات العليا في الشرطة، التي تعينها الحكومة الفلسطينية، على التنسيق مع رؤساء المجالس البلدية لضمان كفاءة الحكم المحلي وقدرته على الاستجابة. وسوف يلعب الشركاء الدوليون دوراً حاسماً في توفير المعدات والدعم اللازمين لبناء القدرات. وبالإضافة إلى ذلك، قد تسعى الحكومة الفلسطينية إلى الحصول على المساعدة الأمنية الدولية حسب الحاجة. وسوف تتولى السلطة الفلسطينية إدارة السيطرة على الحدود في غزة، بدعم دولي مؤقت من الجهات الفاعلة ذات الصلة، كما حدث مع بعثة المساعدة الحدودية التابعة للاتحاد الأوروبي في عام 2005.
4. دمج المؤسسات والخدمة المدنية
تؤكد خطتنا على الحاجة الحيوية إلى دمج وتنسيق المؤسسات والخدمة المدنية في مختلف أنحاء الضفة الغربية وغزة. ولتيسير ذلك، سنعين قيادات عليا مؤقتة للمؤسسات الحكومية في غزة، لتولي مهامها مؤقتاً إلى حين اختيار المديرين الدائمين من خلال عملية شفافة قائمة على الجدارة. وسيتم اختيار الموظفين على أساس الاحتياجات الفنية، مع الالتزام بمعايير الجدارة والشفافية في جميع القرارات المتعلقة بالموظفين.
5. استعادة وظائف الحكم المحلي
كخطوة فورية لاستعادة وإعادة دمج الحكم المحلي في غزة وضمان الملكية المحلية للتعافي، سأقوم بتعيين شخصيات محلية مستقلة وذات مؤهلات عالية في المجالس البلدية والمحلية لمدة عام واحد. وسيتم تزويد هذه المجالس بميزانيات لدعم المشاريع المحلية التي تلبي الاحتياجات العاجلة وتقدم فوائد ملموسة لشعب غزة، وفقًا لإرشادات واضحة حددتها حكومتي. وفي نهاية فترة الانتقال التي تبلغ عامًا واحدًا، سيتم إجراء انتخابات الحكم المحلي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة لضمان المشاركة الديمقراطية والتمثيل في الحكم المحلي.
إن الدمار غير المسبوق الذي حل بغزة لا يتطلب الدعم العالمي الجاد فحسب، بل يتطلب أيضاً التزاماً جماعياً بإعادة الإعمار والتعافي. ونحن ندعو جيراننا العرب وجميع الدول الشريكة إلى الوقوف معنا في هذا الجهد الضخم. فمعاً، نستطيع أن نعالج الاحتياجات الفورية لشعبنا، ونستعيد الخدمات الأساسية، ونعيد بناء الاقتصاد، ونعيد إحياء الأمل.
إن هذا المسار، على الرغم من التحديات التي يفرضها، هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق إلى الأمام ــ السبيل الذي يضع الأساس للسلام الدائم والأمن والازدهار. ولا يتعلق الأمر فقط بمستقبلنا كشعب فلسطيني، وسعينا الدؤوب إلى تقرير المصير، وحقنا في العيش في حرية وكرامة؛ بل يتعلق أيضاً بضمان الاستقرار ومستقبل أفضل لجميع شعوب المنطقة.