"شينخوا": النص الكامل لتقرير بحثي حول مسؤولية الولايات المتحدة عن انتشار كوفيد-19 في العالم

"شينخوا": النص الكامل لتقرير بحثي حول مسؤولية الولايات المتحدة عن انتشار كوفيد-19 في العالم

 

بكين- نشرت وكالة الانباء الصينية "شينخوا" النص الكامل لتقرير بحثي أصدرته مؤسسة "إنتليجنس آند ألاينس" الفكرية ومعهد تايخه على نحو مشترك بعنوان "مسؤولية الولايات المتحدة عن انتشار كوفيد-19 في العالم" يوم الجمعة.

وذكر التقرير أن البيانات المستقاة من مصادر متعددة أظهرت أن الولايات المتحدة هي على الأرجح الدولة التي نشأ فيها كوفيد-19، والدولة الأكثر مسؤولية عن الانتشار السريع للفيروس عالميا. وتلاعبها السياسي بالمرض جعل الجهود العالمية لمكافحة الجائحة صعبة ومتخمة بالتحديات.

وفيما يلي النص الكامل للنسخة العربية من التقرير، التي نُشرت اليوم (السبت):

تقرير بحثي: مسؤولية الولايات المتحدة عن انتشار كوفيد-19 في العالم

أعدته مؤسسة "إنتليجنس آند ألاينس" الفكرية (آي أيه تي تي)، ومعهد تايخه

المقدمة

على خلفية وضع وبائي عالمي لا يزال مزريا، استمر بعض الساسة الأمريكيين في استخدام الصين ككبش فداء في مسألة تتبع أصول كوفيد-19 في محاولة منهم لتشويه الحقيقة، والتستر على مسؤوليتهم عن الفشل الذريع في التعامل مع الجائحة، وتقويض التعاون العالمي في مكافحة الجائحة. وقد قوبلت أفعالهم وتصريحاتهم بالتشكيك والنقد على نطاق واسع من جانب المجتمع الدولي.

لقد أظهرت البيانات المستقاة من مصادر متعددة أن الولايات المتحدة هي على الأرجح الدولة التي نشأ فيها كوفيد-19، والدولة الأكثر مسؤولية عن الانتشار السريع للفيروس عالميا. وتلاعبها السياسي بالمرض جعل الجهود العالمية لمكافحة الجائحة صعبة ومتخمة بالتحديات.

إن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن الوضع الوبائي الفوضوي الراهن. وإذا لم تصحح أخطاءها، وتبدأ في العمل مع الآخرين على مكافحة الجائحة في العالم على الفور، ستواجه البشرية كوارث أكبر.

الجزء الأول: الأدلة التي تشير إلى أن كوفيد-19 منشأه الولايات المتحدة ما زالت تتكشف

تحاول الولايات المتحدة حتى يومنا هذا التستر على أفعالها الخاطئة من خلال توجيه اللوم إلى الآخرين. وانهمكت في تسييس مسألة تتبع الأصول وتشويه سمعة الصين، وصمّت آذانها عن تساؤلات تُطرح من جميع أنحاء العالم. وأصبحت هذه الدولة أكثر إثارة للريبة لأنها رفضت الكشف عن معلومات عن الحالات المبكرة في أمريكا وإجراء تحقيق محلي حول أصول كوفيد-19.

لقد أصبحت التحقيقات والتحليلات حول أصول كوفيد-19 التي تجريها وكالات موثوقة في جميع أنحاء العالم، بما فيها وكالات من الولايات المتحدة، واضحة أكثر فأكثر مع تطور الجائحة. كما تتراكم أدلَّة، تشير إلى أن الولايات المتحدة، وهي دولة لديها أقدم تاريخ في أبحاث فيروس كورونا وتمتلك القدرات البحثية الأكثر تقدما، يمكن أن تكون هي منشأ الجائحة.

1- التسلسل الزمني لتفشي المرض في الولايات المتحدة يتواصل إرجاعه إلى فترات أقدم

ووفقا للتقارير الإعلامية، تم تأكيد أول حالة إصابة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة في 19 يناير 2020 لرجل عاد من السفر إلى بلاده في ولاية واشنطن الأمريكية.

ولكن من خلال إجراء تحقيقات أعمق، حددت الحكومات المحلية في الولايات المتحدة إصابات ووفيات بالمرض حدثت في وقت مبكر عن ذلك.

بدءا من مارس 2020، نشر الموقع الإلكتروني لإدارة الصحة بولاية فلوريدا الأمريكية سجلات تشير إلى أن 171 مريضا ظهرت عليهم أعراض مرض فيروس كورونا الجديد أو جاءت نتائج اختبارهم إيجابية للمرض في شهري يناير وفبراير من ذلك العام. واختفت مجموعة البيانات بأكملها من على الموقع في 4 مايو 2020، لتعود في وقت لاحق من المساء بدون العمود الذي يوضح تاريخ ظهور الأعراض على هؤلاء المرضى.

في دراسة خاصة باختبار الأجسام المضادة نُشرت في 15 يونيو 2020، قام باحثون بالمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة بتحليل أكثر من 24 ألف عينة دم مخزنة تم جمعها في الفترة ما بين 2 يناير و18 مارس من ذلك العام.

ووفقا لنظرية اختبار المصل، يمكن العثور على الأجسام المضادة بعد حوالي أسبوعين من إصابة شخص ما. وفي هذه الدراسة، جاءت العينة الإيجابية الأولى في تاريخ مبكر وهو الـ7 من يناير 2020 لمتطوع بولاية إلينوي الأمريكية، وهو ما يشير إلى أن الفيروس كان موجودا في الولايات المتحدة قبل منتصف ديسمبر 2019، أي قبل شهر من أول حالة تم الإبلاغ عنها رسميا في البلاد.

إلى جانب ذلك، فإن بحثا نُشر في 30 مارس 2020 بمجلة ((نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين)) تمعّن في دراسة حالات 24 مريضا كانوا في وضع صحي حرج بمدينة سياتل الأمريكية. وقد تم تحديد هؤلاء المصابين من قبل وحدات العناية المركزة في تسعة مستشفيات بالمدينة في الفترة ما بين 24 فبراير و9 مارس من ذلك العام.

وأفادت سلسلة دراسات الحالات بأنه "لم يسافر أي من هؤلاء المرضى مؤخرا إلى بلد معروف بانتقال العدوى، مثل الصين أو كوريا الجنوبية أو إيران أو إيطاليا".

وأضاف التقرير أن "التحليلات الجينومية والوبائية لتسلسل النسخ للحمض النووي الريبي للفيروس المكتشف في منطقة غرب واشنطن كشفت أن انتشار سارس-كوف-2 كان نتيجة انتقال العدوى من المجتمع المحلي-- ما يعنى أن مصدر العدوى لا يمكن أن يعود إلى تعرض معروف".

تتزامن النتائج المذكورة أعلاه مع دراسة متسلسلة بالتواريخ أجرتها مؤسسة "إنتليجنس آند ألاينس" الفكرية (آي أيه تي تي) بشأن "المريض صفر" لكوفيد-19. واستشهد تقرير المؤسسة، الذي جاء بعنوان "من هو 'المريض صف'"، بمقال بعنوان "إيقاف أبحاث عن الجراثيم الفتاكة في مختبر للجيش بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة"، نُشر في صحيفة ((نيويورك تايمز)) في 5 أغسطس 2019، ودراسة حول أصول كوفيد-19 تستند إلى نمذجة البيانات الضخمة، نُشرت في 22 سبتمبر من هذا العام على ((ChinaXiv))، وهي منصة ما قبل الطباعة على الإنترنت تديرها الأكاديمية الصينية للعلوم. وأشارت الدراسات إلى أنه بالنسبة لـ12 ولاية في شمال شرق الولايات المتحدة، فإن التواريخ المحتملة لحالة الإصابة الأولى، مع احتمال نسبته 50 في المائة، تقع في الغالب بين أغسطس وأكتوبر 2019، في حين أن أقدمها كان في 26 إبريل 2019 في رود آيلاند، وأحدثها كان في 30 نوفمبر 2019 في ديلاوير. وجميع التواريخ، التي تشير إليها البيانات، تأتي في وقت أبكر من 20 يناير 2020، وهو التاريخ المعلن رسميا لأول حالة إصابة مؤكدة في الولايات المتحدة.

وقد كشفت الأبحاث أن انتشار الفيروس مسألة معقدة في عالم معولم، وبالتالي فإن التتبع العالمي لأصول كوفيد-19 يتطلب جهودا متواصلة. وقد قالت ليو لي لي، أمين عام مؤسسة "إنتليجنس آند ألاينس" الفكرية، إن أول مكان أبلغ عن تفشي المرض على نطاق واسع ليس بالضرورة منشأ الجائحة، مضيفة أن مؤامرة واشنطن لتسييس مسألة أكاديمية تتداعى.

2- الجيش الأمريكي له دور ضالع في مسألة أصل كوفيد-19 وانتشاره

إن الولايات المتحدة هي أول من بدأ في إجراء أبحاث حول الفيروسات المؤتلفة ولديها قوة منقطعة النظير في هذا المجال. كما مولت وأجرت عددا أكبر من البحوث حول فيروسات كورونا مقارنة بأي دولة أخرى. قبل عام 2015، قام فريق الدكتور رالف باريك من جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل بتطوير التكنولوجيا الأكثر تقدما في فيروسات كورونا المؤتلفة، وحصل على التسلسلات الجينية لفيروسات كورونا من دراساتهم التي جرت بالتعاون مع مختبر حيوي عسكري في فورت ديتريك. وأُغلق المختبر فجأة من قبل الجيش الأمريكي بسبب حالات تسرب مشتبه بها في يوليو 2019. وأعقب إغلاق المختبر تقارير عن تفشي الالتهاب الرئوي لسبب غير معروف مع أعراض مشابهة لكوفيد-19 في المناطق المحيطة بفورت ديتريك. لا يمكن استبعاد احتمال أن تكون فورت ديتريك هي منشأ الجائحة.

في 10 مارس 2020، تم إطلاق عريضة على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض، تطالب واشنطن بالكشف عن معلومات حول فورت ديتريك، المختبر البارز في البلاد والمتخصص بمجال الأسلحة البيولوجية، فضلا عن السبب الحقيقي لإغلاقه، وتوضيح ما إذا كان تسرب فيروسي قد حدث. بيد أن واشنطن رفضت حتى الآن إخبار الرأي العام بالحقيقة بحجة "مخاوف متعلقة بالأمن القومي". وفي 12 يوليو 2019، أفادت شبكة ((إيه بي سي نيوز)) بحدوث "تفش لمرض تنفسي" فتاك، أصيب فيه 54 شخصا بالحمى والسعال والضعف العام وتوفي اثنان، في مجتمع للمتقاعدين بشمال فرجينيا، على بعد ساعة واحدة بالسيارة من فورت ديتريك.

3- الحالات المبكرة في العديد من البلدان مرتبطة بالولايات المتحدة

تم إرجاع تفشي كوفيد-19 في العديد من الدول إلى الولايات المتحدة. فقد أشارت المعلومات الرسمية الواردة من 12 دولة، بما فيها كوستاريكا وبوتان وغيانا وكينيا، إلى أن "المريض صفر" في تلك الدول جاء من الولايات المتحدة.

فقد ذكر تقرير صادر عن كلية الطب بجامعة كيو اليابانية في فبراير 2021 أن فريقا بحثيا أجرى تسلسل الجينوم الكامل لسارس-كوف-2 في عينات مأخوذة من 198 مريضا مصابا بكوفيد-19 في 13 مستشفى متعاونا تقع في منطقة كانتو. تم التمييز بين السلالات الفيروسية وتصنيفها. ووجد الفريق أن عينة واحدة من مريض بكوفيد-19 تم إدخاله مستشفى في منطقة كانتو في نوفمبر 2020 تنتمي للسلالة "B.1.346" المشتقة من الفرع "Clade 20C"، والتي كانت سائدة في غرب الولايات المتحدة منذ نوفمبر 2020.

ووفقا لبحث أجرته جامعة تل أبيب، كانت معظم الإصابات في إسرائيل ناجمة عن سلالة من سارس-كوف-2 واردة من الولايات المتحدة. وقارن الباحثون التسلسل الجينومي لأكثر من 200 مريض في المستشفيات في جميع أنحاء إسرائيل بحوالي 4700 تسلسل جينومي مأخوذ من مرضى حول العالم. ووجدوا أن حوالي 70 في المائة من المرضى أصيبوا بسلالة فيروس كورونا الجديد التي نشأت في الولايات المتحدة.

وقالت كندا في 30 إبريل 2020 إن حالات الإصابة المبكرة بكوفيد-19 في البلاد جاءت بشكل رئيسي من الولايات المتحدة. وأظهرت البيانات الواردة من المقاطعات الرئيسية الأربع في كندا (أونتاريو، وكيبيك، وألبرتا، وكولومبيا البريطانية) وهي أيضا المقاطعات الأربع الأكثر تضررا، أن المسافرين الأمريكيين هم من جلبوا الفيروس إلى البلاد.

الجزء الثاني: الولايات المتحدة هي القوة الرئيسية وراء انتشار كوفيد-19 عالميا

نظرا لكونها الدولة التي لديها أكبر عدد من حالات الإصابة المؤكدة والوفاة بكوفيد-19 في العالم، لم تخرج الولايات المتحدة بعد من هاوية الجائحة. فالمتحور "دلتا" ينتشر بسرعة أكبر، ما يؤدي إلى زيادات يومية حادة في حالات الإصابة المؤكدة في الولايات المتحدة. وحتى الآن، تجاوز إجمالي عدد حالات الإصابة المؤكدة في البلاد 48 مليونا، وتجاوزت حصيلة الوفيات 790 ألفا.

وذكرت مجلة ((نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين)) ومقرها الولايات المتحدة، في مقال افتتاحي لها أن الولايات المتحدة "فشلت في كل خطوة تقريبا" في التعامل مع الجائحة. ففي أعقاب تفشي الجائحة، لم تتسبب سياسات واشنطن الداخلية والخارجية المختلفة المثقلة بالأخطاء في انهيار سيطرتها على الجائحة فحسب، بل سرعت أيضا من انتشار الجائحة عالميا. فقد رحلت الولايات المتحدة المهاجرين غير الشرعيين، وفتحت أبوابها للسفر، وقامت بتغيير قواتها بالتناوب في بلدان أجنبية، وأجرت مناورات عسكرية. وأدت هذه التحركات غير المألوفة إلى انتقال عدوى كوفيد-19 المحلية في الولايات المتحدة إلى دول ومناطق أخرى، وجعلت البلاد القوة الرئيسية التي دفعت انتشار الجائحة العالمية على نطاق واسع.

1- تفويت أفضل وقت للسيطرة على الجائحة في مرحلة مبكرة

لقد أساءت الولايات المتحدة تقدير كوفيد-19 معتبرة إياه إنفلونزا، ما زاد من صعوبة اكتشاف الجائحة في الأوقات المبكرة. ففي الفترة من 28 يونيو إلى 3 أكتوبر 2019، استقبلت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أكثر من ألف حالة إصابة بالتهاب رئوي مرتبط بالتدخين الالكتروني، مع تسجيل 18 حالة وفاة ومعدل وفيات بلغ حوالي 2 في المائة. واعترف مسؤولو مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن لديهم بعض "حالات الإصابة المبكرة بمرض كوفيد-19 التي تم تشخيصها بشكل خاطئ على أنها إنفلونزا أو مرض آخر"، بيد أنها لم تُفصح حتى الآن عن تفاصيل هذه الحالات.

ووفقا لصحيفة ((نيويورك تايمز))، حذر وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي من الخطورة المحتملة للجائحة في 18 يناير 2020، لكن البيت الأبيض تجاهله. وفي الفترة من أواخر يناير إلى نهاية مارس، أصم البيت الأبيض آذانه عن تحذيرات منظمة الصحة العالمية والخبراء الأمريكيين ونماذج البيانات، ولا يزال يتصرف ببطء، ما أدى إلى الانتشار السريع للجائحة في جميع أنحاء البلاد. ورغم امتلاكها للنظام الطبي الأكثر تطورا في العالم، إلا أن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق الوقاية من مرض فيروس كورونا الجديد والسيطرة عليه في مرحلته المبكرة، وأبدت اهتماما أقل به، ما أضر بصحة الشعب الأمريكي. ومن ناحية أخرى، لم يتمكن العالم من تقاسم الخبرات المتقدمة للبلاد في مجال الوقاية والسيطرة والعلاج الطبي، كما تقوضت القدرة العالمية على الوقاية من الجائحة ومكافحتها إلى حد كبير.

2- سياسة الباب المفتوح أدت إلى تفاقم الانتشار العالمي

انطلاقا من تأثرها بالعديد من العوامل مثل المفهوم القوي لما يسمى بـ"حقوق الإنسان والحرية"، وضعف جودة المعرفة بالعلوم الطبيعية لدى من يعيشون في أدنى المستويات، والفيدرالية، والانتخابات الرئاسية، لم تنفذ الولايات المتحدة التدابير اللازمة القائمة على العلم للوقاية من الجائحة، مع وجود تدفق متكرر للأشخاص في البلاد وسياسات متساهلة بشأن السفر للخارج. وقد تسببت تدابير السفر غير المسؤولة والمتساهلة التي اتخذتها الولايات المتحدة، التي تقع في بؤرة الجائحة، بشكل مباشر في تفشي الجائحة على الصعيد العالمي.

وفي الوقت الذي فرضت فيه معظم البلدان تدابير صارمة للوقاية والمراقبة خلال الجائحة، اعتمدت الولايات المتحدة سياسة حرية التصرف. فبعض التدابير الأساسية، بما في ذلك ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي وممارسة نظام البقاء في المنزل، لم تصبح بعد إجماعا في المجتمع الأمريكي. وأدى عدم اتخاذ تدابير إغلاق في الوقت المناسب إلى التعجيل بانتشار الجائحة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وها هي متحورات الفيروس تنتشر بشكل عبثي، ولا تزال معدلات الإصابات والوفيات مرتفعة، حتى أنها سجلت رقما قياسيا عالميا يتجاوز 400 ألف حالة إصابة مؤكدة حديثا في يوم واحد. إن "إعادة الفتح" التي جاءت قبل الأوان لم تعرقل فقط الوقاية من الجائحة والسيطرة عليها في الولايات المتحدة نفسها، وإنما أضافت عبئا على العالم أيضا.

في مطلع أغسطس من عام 2020، بلغ إجمالي عدد حالات الإصابة المؤكدة في جميع أنحاء العالم ما يقرب من 20 مليون حالة، جاء ما يقرب من 5 ملايين منها من الولايات المتحدة.

غير أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في ذلك الوقت عن رفع تحذير السفر من المستوى 4 الذي وجه المواطنين بتجنب جميع الرحلات الدولية، مدعية أن الجائحة باتت تحت السيطرة وأن هناك حاجة إلى إعادة الفتح من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي.

وقد ألحقت هذه الخطوة المتهورة خسائر فادحة بالعالم.

وفقا للبيانات الصادرة عن مكتب السياحة الوطني في الولايات المتحدة، سافر إجمالي 23.195 مليون مواطن أمريكي إلى الخارج عن طريق الجو والبر في الفترة من إبريل 2020 إلى مارس 2021. وفي الفترة من نوفمبر 2020 إلى يناير 2021، شهدت الولايات المتحدة إحدى ذروات تفشي الجائحة، حيث بلغ متوسط حالات الإصابة المؤكدة اليومية 186 ألفا، في حين أن عدد المواطنين المسافرين إلى الخارج بلغ أيضا مستوى مرتفعا وهو87 ألفا يوميا.

وقد أدت الذروات المتداخلة إلى انتشار عالمي سريع للجائحة من الولايات المتحدة. فقد أفادت التقارير بأن 30 في المائة حالات الإصابة الـ7 آلاف الواردة من الخارج في كوريا الجنوبية و14 في المائة من حالات الإصابة المؤكدة الـ6 آلاف في أستراليا جاءت من الولايات المتحدة.

3- ترحيل المهاجرين بشكل غير مسؤول، وتصدير الإصابات بجميع أنحاء العالم

لقد واصلت الولايات المتحدة ترحيل المهاجرين غير الحاملين لوثائق خلال هذه الجائحة، ورفعت عدد الحالات الواردة من الخارج في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل ازدراء شديدا للحياة.

في 13 مايو 2020، دعت منظمة الصحة العالمية إلى وقف ترحيل المهاجرين للحد من تفشي الجائحة عالميا.

بيد أن الولايات المتحدة، صاحبة أكبر عدد من حالات كوفيد-19 في العالم، لم تقم بتعليق عمليات الترحيل في الوقت المناسب. وبدلا من ذلك، استمرت هذه الدولة في إرسال آلاف المهاجرين إلى البلدان الضعيفة التي تفتقر إلى المعدات والقدرات اللازمة للتصدي للجائحة.

وقد أظهرت البيانات الصادرة عن وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة أنه في الفترة من مارس إلى منتصف يونيو 2020 وحدها، بلغ عدد عمليات ترحيل مهاجرين مماثلين من مراكز الاحتجاز الجمركية الأمريكية ما يقرب من 40 ألفا. وفي عام 2020، طردت وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك حوالي 186 ألف شخص، بزيادة قدرها 160 في المائة مقارنة بعام 2019.

بالإضافة إلى ذلك، شملت عملية الترحيل 61 وجهة، بما فيها غواتيمالا وهندوراس والسلفادور والبرازيل ونيكاراغوا والإكوادور وهايتي وجمهورية الدومينيكان وكولومبيا والمكسيك وجامايكا. وقالت الحكومة الغواتيمالية في أواخر إبريل 2020 إن ما يقرب من خمس حالات الإصابة بكوفيد-19 في البلاد مرتبطة باؤلئك الذين رحلتهم الولايات المتحدة.

4- القوات الأمريكية في الخارج انتهكت بشكل متكرر بروتوكولات الوقاية من الجائحة، ما أدى إلى تسريع انتقال العدوى

لقد خرق أفراد الجيش الأمريكي البروتوكولات عند زيارتهم لفيتنام، ما أدى الى تفشي المرض على نطاق واسع في هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا.

في مارس 2020، رست حاملة الطائرات الأمريكية "ثيودور روزفلت" في مدينة دا نانغ الساحلية الفيتنامية.

وقام العديد من الفيتناميين بزيارة السفينة حيث لم تكن هناك إجراءات احترازية مطبقة على الإطلاق، بينما نزل حوالى 5 آلاف من الضباط والبحارة الأمريكيين للقيام بجولة في المدينة. وبدأ حدوث انتشار واسع لحالات الإصابة بكوفيد-19 في فيتنام بعد مغادرة حاملة الطائرات.

وقد نظمت القوات الأمريكية في كل من اليابان وكوريا الجنوبية تجمعا للاحتفال بيوم الاستقلال، ما أدى إلى تفشي المرض على الصعيد المحلي هناك.

في يوليو 2020، ذهب جنود أمريكيون يخضعون للحجر الصحي في فندق هيلتون في أوكيناوا باليابان، إلى وسط المدينة لحضور حفل أُقيم للاحتفال بعيد الاستقلال الأمريكي، منتهكين بذلك بروتوكولات الحجر الصحي المحلية. ولم يرتدوا كمامات، ولم يحافظوا على التباعد الاجتماعي.

وشهدت المحافظة، التي لم تبلغ من قبل عن أي حالات، زيادة في الإصابات بعد الحدث.

في يوليو 2020، ذهب جنود أمريكيون في أوسان ودايجو بكوريا الجنوبية إلى بوسان وتجمعوا للاحتفال بعيد الاستقلال، وأطلقوا المفرقعات النارية دون ارتداء كمامات، ما أدى إلى ارتفاع حاد في حالات الإصابة اليومية محليا.

5- فشل الولايات المتحدة في السيطرة على كوفيد-19 خلال الأحداث الدولية يؤدي إلى "انتشار فائق"

أدى مؤتمر حول التكنولوجيا الحيوية عُقد في بوسطن في فبراير 2020، وأشير إليه باعتباره حدثا شهد انتشارا فائقا لكوفيد-19، إلى ما لا يقل عن 245 ألف حالة إصابة أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا، وفقا لما جاء في تقرير لشبكة ((سي إن إن)) في 11 ديسمبر 2020، نقلا عن دراسة للبصمات الوراثية جرت بقيادة الفريق في معهد برود في ماساتشوستس.

ووجدت الدراسة، التي نُشرت في مجلة ((ساينس))، بصمتين وراثيتين محددتين لفيروسات مرتبطة بالمؤتمر، ثم تتبعت تلك السلالات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ليتبين أن أحدهما انتقل من بوسطن إلى 29 ولاية أمريكية بالإضافة إلى دول أخرى، بما فيها أستراليا والسويد وسلوفاكيا.

كما وجدت الدراسة أن مجموعة فرعية من السلالة الفيروسية التي شهدت تحورا انتهى بها الأمر إلى إصابة 88 ألف شخص. هذا يعني أن هذا المؤتمر، الذي حضره حوالي 200 شخص من جميع أنحاء العالم وبدون أي تدابير وقائية، تسبب في زرع الآلاف من حالات الإصابة.

6- العقوبات الأحادية تؤدي إلى أزمات إنسانية

لا تتوقف إمكانية السيطرة على الجائحة العالمية على الدول التي تعاملت مع الفيروس على أفضل وجه، بل على الدول الأضعف.

مع استمرار تفشي الجائحة في جميع أنحاء العالم، رفضت الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على بعض الدول انطلاقا من اعتباراتها الجيوسياسية. وقد جعل ذلك من الصعب على تلك الدول الحصول على الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية، ما شل قدراتها على احتواء الفيروس.

ولنأخذ إيران كمثال على ذلك. فالولايات المتحدة تصم آذانها عن طلب المجتمع الدولي بتخفيف العقوبات المفروضة على إيران فحسب، بل فرضت المزيد منها في عصر كوفيد. وقد أدى ذلك إلى موجة من الإصابات خلال المراحل الأولى من الجائحة. واحتلت إيران في وقت من الأوقات المرتبة التاسعة من حيث عدد حالات الإصابة المؤكدة عالميا.

وبسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، عانت دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وإفريقيا التي لديها أنظمة صحة عامة ضعيفة من خسائر فادحة وأزمة إنسانية حادة.

الجزء الثالث: التلاعب السياسي يجعل المكافحة العالمية للجائحة أكثر صعوبة

أدت المناورات السياسية الأمريكية إلى ابتعاد العالم أكثر فأكثر عن التغلب على الجائحة. فمنذ بداية تفشي جائحة كوفيد-19، وضع الساسة الأمريكيون الأبعاد الجيوسياسية فوق العلم. وأعطت الولايات المتحدة الجائحة سرد "حرب باردة"، ولغة "حرب باردة" ونغمات سياسية لهجمات "حرب باردة"، حيث أخذت تشوه سمعة الصين وتسيء إليها وتعطل على نحو خطير العملية الدولية لتعقب الأصول والتعاون العالمي في مكافحة الجائحة.

فالولايات المتحدة مستقطبة سياسيا وغارقة في الحزبية وغير قادرة على رأب الصدع الاجتماعي. ومن الصعب على الحكومة تركيز جهودها على مكافحة الجائحة بفعالية. وهذا لم يؤد إلى تفاقم الجائحة في البلاد فحسب، بل أثر أيضا على المكافحة العالمية للجائحة.

1- التنصل من المسؤولية عن الوقاية من الجائحة وتقويض الجهود الدولية لمكافحتها

من أجل الخروج من معضلة الجهود غير الفعالة في مكافحة الجائحة، أخذ الساسة الأمريكيون بزمام المبادرة في توجيه "المياه القذرة" إلى الساحة الدولية، حيث قاموا بإلقاء المسؤولية على الصين، وتوجيه اتهامات غير معقولة ضد سياسة الصين في مكافحة الجائحة، وتشويه سمعة شفافية الصين في مكافحة الجائحة، ومحاولة تحميل الحكومة الصينية المسؤولية عن فشل الولايات المتحدة في مكافحة الجائحة، بل ومطالبة الحكومة الصينية بـ"دفع ثمن ذلك". واستخدم ترامب نفسه ذات مرة مصطلح "الفيروس الصيني" للإشارة إلى مرض فيروس كورونا الجديد، وهو ما يقوض التعاون بين الصين والولايات المتحدة في مكافحة الجائحة.

كما تعرضت منظمة الصحة العالمية لمسألة إلقاء اللوم من قبل الولايات المتحدة. فقد زعمت إدارة ترامب أن منظمة الصحة العالمية فشلت في لعب دورها المناسب وكانت مسؤولة أيضا عن مكافحة الولايات المتحدة للجائحة. ولم تعلن الحكومة الأمريكية تعليق التمويل لمنظمة الصحة العالمية في لحظة حرجة من المعركة العالمية ضد الجائحة فحسب، بل حققت أيضا فيما إذا كان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد استجاب بشكل صحيح للجائحة.

وللتصدي للجائحة في أقصر وقت ممكن، تحتاج جميع الدول إلى العمل معا وتوحيد الجهود في مجال الوقاية والسيطرة. فقد أدت حيلة توجيه اللوم التي لجأ إليها الساسة الأمريكيون إلى زيادة تكلفة المكافحة العالمية للجائحة، وخلقت خلافات بين الدول، وأعاقت بشدة المعركة العالمية ضد الجائحة، الأمر الذي أدى بدوره إلى تفاقم الوضع في الولايات المتحدة وإطالة أمد مكافحتها لجائحة كوفيد-19.

2- الهوس بالمصلحة الذاتية السياسية ورفض تحمل المسؤولية

منذ تفشي جائحة كوفيد-19، كشفت الولايات المتحدة إلى أقصى حد عن هوسها بالمصلحة الذاتية السياسية المتمثلة في الأحادية و"أمريكا أولا" و"التفوُّق الأمريكي" وعقلية الهيمنة. ويمكن القول إن تتبع أصول كوفيد-19 داخل الولايات المتحدة يساعد في اكتشاف المشكلات في وقت مبكر ويمنع تفشي المرض في المستقبل، لكن الولايات المتحدة استخدمت معايير مزدوجة في مسألة تتبع الأصول. ومن ناحية، روجت لـ"نظرية التسرب المختبري" وشجعت بنشاط على إجراء منظمة الصحة العالمية لتحقيقات في الصين. ومن ناحية أخرى، تجاهلت تساؤلات ودعوات المجتمع الدولي، رافضة التحقيق في مختبر فورت ديتريك ومختبر بيولوجي في جامعة نورث كارولينا، وكلاهما مثير للريبة. ولذلك فمن الواضح أن الولايات المتحدة دأبت باستمرار على تضخيم مسألة تتبع أصول كوفيد-19 وذلك ليس لتكون مسؤولة عن شعوب العالم، وإنما لتلفيق الأكاذيب وتشويه الحقيقة واستنزاف الموارد الدبلوماسية الصينية وكسب أوراق مساومة ضد الصين.

إن الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العظمى الأولى في العالم، ليس لديها على الإطلاق القدر الكافي من المسؤولية والمساءلة. فرغم تباهي هذه الدولة دائما بالإنسانية وحقوق الإنسان، إلا أنها تمارس سياسة "أمريكا أولا" وتتشبث بـ"قومية اللقاح" في مسألة توزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19. إن الولايات المتحدة لم تتعاون في التخطيط العالمي لتوزيع اللقاحات ووجهت اتهامات ضد المساعدات التي تقدمها الصين في مجال اللقاحات؛ وطبقت ضوابط تصدير على المواد الخام المستخدمة في إنتاج اللقاحات وخزنت عددا كبيرا من اللقاحات المضادة لكوفيد-19 بما يتجاوز احتياجات شعبها؛ وكانت مترددة وبطيئة في مد يد العون للدول النامية المتضررة من الجائحة. وأدى ذلك إلى تفاقم عدم المساواة في اللقاحات عالميا وترك فجوة اللقاح تتسع بشكل مستمر.

يبدو أن الساسة الأمريكيين، الذين يدافعون عن الأحادية، دافعوا عن مصالح الولايات المتحدة، لكن سلوكهم يأتي بنتائج عكسية. وقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الحكومة الأمريكية هي أكبر مثير للمتاعب.

3- الاستقطاب السياسي يلحق الضرر بأمريكا نفسها والعالم بأسره

لقد وقعت استجابة الولايات المتحدة لكوفيد-19 ضحية للمعارك الحزبية في البلاد منذ البداية. فالديمقراطيون والجمهوريون يقاتلون ليس من أجل تحقيق السيطرة بشكل فعال على الجائحة وإنقاذ الأرواح، وإنما لاستخدام الجائحة كفرصة لكسب دعم الناخبين. عندما كانت الجائحة في أسوأ حالاتها في الولايات المتحدة، والتي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية لعام 2020، كان العديد من الساسة أكثر قلقا بشأن آفاقهم الخاصة في انتقال السلطة من كيفية التعامل مع الجائحة. لقد كلف هذا الولايات المتحدة وقتا ثمينا للسيطرة على المرض. في ذلك الوقت، تأخرت البيانات الوبائية الخاصة بالعديد من الولايات لعدة أسابيع قبل إبلاغ الحكومة الفيدرالية بها، ما أثر بشكل خطير على صنع القرار الوبائي في البلاد. وظل الوضع دون تغيير بعد وصول إدارة بايدن إلى السلطة. فعلى الرغم من الزيادات في حالات الإصابة بكوفيد-19، لم يتخذ بايدن إجراءات صارمة ضد معارضة بعض الحكام الجمهوريين لمسألتي ارتداء الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي، ولم يتصرف بصرامة مع الناخبين المترددين بسبب تفشي المرض.

إن الجائحة التي لا يتعذر السيطرة عليها، والفيروس المتحور باستمرار، والاختلافات الإيديولوجية المتأصلة جعلت الأمريكيين في حيرة وغضب. فالنظام السياسي في الولايات المتحدة لا يستطيع إدارة مجتمع شديد الانقسام والسيطرة عليه، كما أنه لا يستطيع حماية البلاد من جولة جديدة من كوارث من صنع الإنسان، ويقع الشعب الأمريكي وشعوب العالم ضحايا لها جميعا.

مع احتدام تفشي جائحة كوفيد-19، لا سيما مع ظهور سلالات متحورة، الأمر الذي يزيد من حالة عدم اليقين إزاء الاستجابة العالمية للجائحة في المستقبل، يتعين على الولايات المتحدة التخلي عن هوسها بالمصلحة الذاتية السياسية، والتفكير مليا في الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها في مجال الوقاية من الجائحة والسيطرة عليها، والكف عن تسييس مرض فيروس كورونا الجديد، والتوقف عن تقويض التعاون الدولي في مكافحة الجائحة، ومشاركة لقاحاتها بنشاط مع العالم، وإجراء بحوث تتبع الأصول بطريقة علمية، وتسهيل انتعاش الاقتصاد العالمي، وذلك لهزيمة جائحة كوفيد-19 في نهاية المطاف.