في ذكرى استشهاد البطل علي أبو طوق 1950- 1987

في ذكرى استشهاد البطل علي أبو طوق 1950- 1987

 بقلم: محمد القاروط (أبو رحمه)

يلبس اللحية السوداء الكثيفة الأنيقة، ولا يخلعها أبداً، تميز بلبسها على الدوام. بدلته العسكرية الخضراء كانت جزءاً من مكونات جسده، حتى يصل التفكير ببعضنا أنه قد ولد فيها، فهي لا تفارقه أبداً. كانت لحيته وبدلته تسير عكس تيار جيله، الجيل المثقف الذي أخذ من طول اللحية وشعر الرأس غير المرتب، وسوء منظر الهندام عنواناً له، ليدل به على نفسه أنه كثير العمل وليس لديه وقت لترتيب نفسه، وأنه مهتم بأمور أكثر أهمية من شكله الخارجي. مربوعاً، يسير كطائر الحجل، يقفز قفزاً لا تنتظر رجله اليمنى أُختها اليسرى، تحسب أن رجليه تسابق إحداها الأُخرى. عرجته الجميلة التي أحدثتها إصابة شظية،لا ترى بالعين المجردة، ولا يعرف بها إلا الذين خبروه، أضافت هذه العرجة لحجله ومشيته جمالاً جديداً. دائم الحركة وزيارة المواقع...الأمامية منها على وجه الخصوص، وبدون سابق إنذار أو مواعيد مسبقة.
6ea4e9e6d26e0ba753c7bc53
 

علي أبو طوق بطل سبقنا إلى الجنة، بعرجته، ولحيته، وبدلته الخضراء، لا نزال نبكيه ونفتقده. كان يسبقنا في كل شيء، في الأخلاق والإخلاص بالعمل، والمثابرة، واحترام الرأي الآخر…، صدقوني كان يسبقنا في كل شيء. نفتقده، وتفتقده زوجاتنا وأولادنا.

إذا زارك في موقعك، فإنه أولاً يطمئن على التحصينات ويقول: الحفاظ على الذات أُولى مهماتنا، لا تجعلوهم ينالون منكم، وفروا شهداءنا للمعارك. ثم يزور المستودعات فيطمئن على التموين، نوعاً وكما ويقول: الأجسام القوية من التغذية الصحيحة، ثم إلى الذخائر والأدوات الأُخرى. يدور حول الموقع ويلتقط كل غيار داخلي مرمي، وكل بذلة أو حذاء أو وعاء للطهي... يأخذه معه، يغسله ويصلحه ويعيده جديداً ويقول: الحفاظ على ممتلكات الثورة هي أمانة في أعناقنا جميعاً فالذين لا يحافظون عليها لا يحافظون على رجالهم إنهم لا يحافظون على دماء الشهداء.

علمنا كيف يكون الفدائي نظيفاً، وكيف يستخدم فرشاة الأسنان، وكيف ينظف ملابسه، وكيف يعد لنفسه طعاماً، علمنا الاعتماد على ألذات في كل شيء. كان يقول الفدائي قدوة في كل شيء، حتى إذا لقي الله شهيداً يجب أن يكون نظيفاً شكلاً ومضموناً.

بين الحين والآخر، يأخذ معه أحد الأُخوة أو أكثر ويذهب بين الجبال حاملاً معه كيساً كبيراً، ويحفر بالأرض ويضع علامات ويدفن كيسه، ويرسم العلامات وعندما يسأل ماذا تفعل، يقول: أدفن ذخائر وطعام، سيأتي يومُ نحتاج فيه لهذه الأغراض... واحتاجوها.... أثناء حرب عام 1982 وما بعدها. كان يسبقنا في كل شيء، حتى الحفاظ على عائلاتنا. في إنجازاتنا كانت عائلاتنا تفاجئنا بأن علي أبو طوق زارهم ومعه آخرون، وسأل عن أحوالنا، وداعبنا بسؤال عن حسن العلاقة بيننا وبينكم، ويُفرغ حمولة السيارة من التموين الجاف، وفي كل مرة يعرض على عائلاتنا أموالاً. نفتقدك أيها الأخ الكبير، نفتقد شهامتك ووعيك، وصبرك وحكمتك، نفتقد من يزجرنا ويدفعنا إلى العمل. كان الشهيد مؤمناً بالعمل الجماعي، وكانت قيادة الكتيبة عندما تتأخر عن الاجتماع الدوري، (أو الطارئ عندما يستوجب الأمر ذلك) يبقى منهمكاً ويعمل ليل نهار حتى يعقد الاجتماع، وعندما يعقد الاجتماع غالباً ما ينام، ونضحك، ونتركه نائماً حتى نهاية الجلسة فيستيقظ ويأخذ قلمه ودفتره اللذان لا يفارقاه أبداً ويدون نتائج الجلسة ويقول: هيا للعمل.

رجل غريب، ينام في اجتماع عمل جاهد لعقده، أظن أنه كان يعلمنا … إنه لا يستطيع النوم إلا بعد أن يكون مرتاح البال مطمئناً أن العمل الجماعي يسير بالاتجاه الصحيح، وأن نتائج العمل الجماعي ملزمة للعمل حتى وإن لم تشارك في نقاش محتواه.

نفتقدك يا علي، أخاً وأباً وصديقاً وقائداً، ونفتقد عقلك في الإدارة، وفي كل شيء. في أواخر حياته كان قائداً لمخيم شاتيلا الذي استثهد به. كان المخيم محاصراً، واستمر حصاره طويلاً… أتعرفون أن علياً قد قام بالتحضير للحصار، قبل الحصار بوقت قصير، ولكنه لم ينسى شيئاً على الإطلاق حتى حفاظات الأطفال وفوط النساء الصحية خزنها، وكان يوزعها كما توزع الذخائر والمؤن. عند الإعلان عن استشهاده ودعته الجماهير الفلسطينية واللبنانية بقواها الوطنية والإسلامية. ولا تزال ذكراه عطرة. في أريحا ووفاءً له أطلق اسم الشهيد علي أبو طوق على مركز اللياقة البدنية وألعاب القوى، في مجمع ياسر عرفات للنشاطات المجتمعية (مجمع النشاطات المجتمعية سابقاً).

جار هذا المركز للجهة الشرقية، مركز الشهيدة نبيلة برير للتنمية البشرية والتدريب الإداري، وجاره من الجهة الغربية استاد الشهيد مروان كيالي. إن المركز الذي يحمل اسمه بين شهيدين سنظل نحمل أسمائهما ونعلمها إلى أبنائنا، سنظل أوفياء لهم ولجميع الشهداء.

     الشهيد ياسر عرفات في وداع الشهيد علي أبو طوق

استشهد علي أبو طوق في مخيم شاتيلا، أثناء عقد القمة الإسلامية في الكويت وعندما وصل خبر استشهاده إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات، بكاه، وخرج من الجلسة.

 أرسل رئيس القمة رجال الأمن لمعرفة سبب خروج الشهيد ياسر عرفات من الجلسة، عادوا وأبلغوه بأنه فقد قائداً عزيزاً، وأنه يجلس خارج المبنى وحيداً، رفع رئيس القمة الجلسة، وذهبوا إلى ياسر عرفات معزين، فتحولت القمة الإسلامية إلى بيت عزاء للشهيد علي أبو طوق.

يا أحبتي ويا أهلي

استشهد علي ولم يترك زوجةً تبكيه، فبكته أمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا وأخواتنا، بكينه وأبكين من حضر مجالسهن. استشهد علي ولم يترك ولداً يدعو له بالخير، هذه مناسبة أن ندعو له جميعاً بالخير والبركة ونقرأ له الفاتحة.