إسرائيل والاتحاد الأفريقي.. كيف حصل الاختراق؟ ولماذا؟
اصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم "تقدير موقف" بعنوان "قبول طلب اسرائيل الحصول على صفة مراقب في الاتحا الافريقي: كيف حصل الاختراق؟ ولماذا؟" جاء فيه:
بعد مرور نحو أسبوعين على قبول عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب، قدّمت، في 3 آب/ أغسطس 2021، سبع دول عربية، هي الجزائر ومصر وليبيا وتونس وموريتانيا وجزر القمر وجيبوتي، اعتراضًا على الإجراء الذي قام به رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، معتبرة إياه "تجاوزًا إجرائيًا وسياسيًا غير مقبول من جانب رئيس المفوضية لسلطته التنفيذية"، ومخالفة "لمعايير منح صفة مراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الأفريقي"، في حين لاذت بقية الدول العربية الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، وهي المغرب والسودان والصومال بالصمت، وكانت الجزائر وجنوب أفريقيا قد اعترضتا على هذه الخطوة مبكراً.
وعبّر نص رسالة الدول السبع، الذي وقّعه أيضًا كلّ من الأردن والكويت وقطر وفلسطين واليمن، إضافة إلى بعثة جامعة الدول العربية، عن رفض هذه الدول الخطوة التي أقدم عليها رئيس المفوضية الأفريقية في 22 تموز/ يوليو 2021، "بشأن مسألة سياسية وحساسة أصدر بشأنها الاتحاد الأفريقي على أعلى مستويات صنع القرار فيه، ومنذ زمن طويل، مقررات واضحة تعبر عن موقفه الثابت الداعم للقضية الفلسطينية، والمدين لممارسات إسرائيل بكافة أشكالها في حق الشعب الفلسطيني الشقيق، والتي تتعارض مع المصلحة العليا للاتحاد وقيمه ومثله ومقرراته". وطالبت الدول السبع الموقعة الرسالة بإعادة إدراج مسألة قبول طلب إسرائيل الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي "على الجلسة اللاحقة من أعمال المجلس التنفيذي وفقًا للفقرة 5 من القسم الثاني من الجزء الثاني من معايير منح صفة مراقب"، وذلك في إطار جهد عربي تقوده الجزائر وتدعمه كل من جنوب أفريقيا ونيجيريا ودول أفريقية أخرى لإلغاء قرار قبول إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد
حيثيات قبول طلب إسرائيل الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي
أثارت طريقة قبول عضوية إسرائيل بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي جدلًا كبيرًا داخل المنظمة الأفريقية وخارجها، في ضوء اعتراض عدد ليس قليلًا من الدول الأعضاء على الإجراء الذي انفرد باتخاذه رئيس المفوضية، موسى فكي، خاصة أن طلب إسرائيل الانضمام إلى المنظمة رُفض ثلاث مرات قبل ذلك، خلال الأعوام 2013، و2015، و2016. وقد أوضحت جنوب أفريقيا أنه "إلى جانب الاعتبارات السياسية الواضحة التي دفعت في الماضي إلى رفض طلب دولة إسرائيل الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي بصفتها مراقبًا، هناك اعتبارات قانونية تضع بموجبها السلوك الإسرائيلي في تعارض مع القيم المكرسة في ميثاق الاتحاد الأفريقي". فكيف لمنظمة تدعم باستمرار حق الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل إقامة دولة مستقلة، وتدعو إسرائيل إلى "احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي"، أن تمنحها، بتصرفٍ منفرد من رئيس مفوضيتها، صفة العضو المراقب؟ لا سيما أن الطلب الإسرائيلي لم يُبحث مع الدول الأعضاء في الدورة 34 لمؤتمر الاتحاد الأفريقي المنعقد في 6-7 شباط/ فبراير 2021.
وكانت الهيئة الاستشارية القانونية للاتحاد الأفريقي قد طالبت بتعديل بنود القانون التأسيسي للاتحاد، وهو ما ورد في اجتماع لجنة الممثلين الدائمين والخبراء القانونيين حول المسائل القانونية، في البند 5 من جدول الأعمال، بعنوان: "بحث مشروع معايير منح صفة المراقب ونظام الاعتماد لدى الاتحاد الأفريقي"، الوثيقة رقم EX.CL/161 (VI)، حيث دعت الهيئة إلى "مراجعة المعايير الحالية التي كان معمولًا بها في ظل منظمة الوحدة الأفريقية حتى تعكس واقع الاتحاد الأفريقي، ووضع نظام رسمي لتقديم أوراق الاعتماد خصوصًا ما يتعلق (...) بالدول غير الأفريقية في ضوء الدور المتزايد الذي يضطلع به الاتحاد الأفريقي في الشؤون الدولية". وهي مبادرةٌ تتبناها الجزائر وتشدد من خلالها على ضرورة تعديل ميثاق الاتحاد الأفريقي، بما يضمن عدم السماح لأي دولة من خارج القارة، تقوم على أساس احتلال أراضي الغير، بالحصول على أي صفة داخل الاتحاد. ويبدو أن مبادرة الجزائر تسعى أيضًا إلى منع انفراد مفوضية الاتحاد الأفريقي بقرارات حساسة كتلك التي اتخذها موسى فكي، الذي تطاوله تُهمٌ بالفساد، والتحرش الجنسي، وممارسة الترهيب في المفوضية، وفق تقريرٍ أصدرته مؤخّرًا مجموعة الأزمات الدوليّة.
جهود إسرائيل في الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي
مع أنّ قرار قبول إسرائيل عضوًا مراقبًا في الاتحاد الأفريقي هو قرار منفرد قامت به مفوضية الاتحاد الأفريقي، فإنّه يعكس مستوى الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية والاختراقات التي حققتها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة على صعيد استمالة عدد ليس قليلًا من دولها، والتطبيع مع أخرى، بما فيها دول عربية. وكانت إسرائيل توصلت إلى اتفاقيات تطبيع مع المغرب والسودان (2020)، فضلًا عن إقامة علاقات دبلوماسية مع تشاد (2019)، التي كان موسى فكي رئيسًا لوزرائها في الفترة 2003-2005، ووزيرًا لخارجيتها في الفترة 2008-2017، قبل انتخابه رئيسًا لمفوضية الاتحاد الأفريقي في عام 2017.
قال رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، بنيامين نتنياهو، بعد زيارة تشاد، في أيلول/ سبتمبر 2020، للتباحث في إمكانية فتح سفارة تشادية في القدس المحتلة وتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي، إن "إسرائيل عادت إلى أفريقيا، وأفريقيا عادت إلى إسرائيل"؛ وقد سبقت هذه الزيارةَ جولاتٌ بدأت في حزيران/ يونيو 2014، قادها وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، أفيغدور ليبرمان، في خمس دول أفريقية هي رواندا وساحل العاج وغانا وإثيوبيا وكينيا لتعزيز مساعي إسرائيل الحصول على صفة العضو المراقب في الاتحاد الأفريقي.
وفي عام 2016، حاولت إسرائيل تعزيز حضورها مجددًا، من خلال جولةٍ لنتنياهو شملت أربع دول، انطلقت من أوغندا، ثم كينيا ورواندا، إلى إثيوبيا؛ وقد خصصت إسرائيل حينها ميزانية بقيمة 13 مليون دولار لتوثِّق العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية. وفي تشرين الأول/ أكتوبر2017، دفعت إسرائيل نحو تنظيم قمة إسرائيلية أفريقية في لومي (توغو)، تجمع رؤساء الدول الأفريقية باستثناء دول المغرب العربي، إلّا أن القمة أُلغيت، وهو ما اعتُبِر ضربةً لمساعي نتنياهو كسب أصوات لفائدة مشروع الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي، غير أن ذلك لم يمنعه من تعزيز نفوذ إسرائيل السياسي والعسكري والاستخباراتي خاصة في إثيوبيا ورواندا
تبدو الدوافع الرئيسة وراء النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي المتزايد في أفريقيا جليّة. فهو، أولًا، يمثل جزءًا من إستراتيجيتها للتأثير في المنطقة العربية المحيطة بها عبر التحالفات في المناطق المحيطة بها؛ وثانيًا، يمثل جزءًا من إستراتيجية تسعى لكسب التأييد لإسرائيل على المستوى العالمي، فهي تأمل أن يعني انضمامها إلى الاتحاد الأفريقي ألّا تصوّت الدول الأفريقية ضدها في المحافل الدولية، أو أن تلتزم الحياد بدلًا من التصويت ضدها؛ وثالثًا، على غرار بقية القوى الدولية الناشئة، تسعى إسرائيل لاستغلال الإمكانيات الاقتصادية للقارة، إذ تقتنص الفرص المتاحة في سوق التكنولوجيا وتجارة الأسلحة وتقنيات الأمن المتخصصة والتعدين والطاقة والبنية التحتية وغيرها؛ ورابعًا، تسعى إسرائيل إلى أن تنفي عن ذاتها صفة العنصرية ودولة الاحتلال، عبر قبولها في دول العالم الثالث عمومًا، وتزداد أهمية هذا المسعى مع انتشار إلصاق صفة دولة الأبرتهايد بها، وأخيرًا، يظل الساحل الشرقي الأفريقي وحوض النيل منطقة إستراتيجية لإسرائيل ومجالًا حيويًا يدفع سياساتها تجاه أفريقيا قدمًا إلى الأمام.
انحسار الدور العربي في أفريقيا
يزداد حضور إسرائيل في القارة الأفريقية التي كانت من أبرز الداعمين للقضايا العربية خلال العقود الأولى من التحرر من الاستعمار، في حين يزداد الشرخ اتساعًا اليوم بين العالم العربي وأفريقيا، لا سيما بعد أن فقدت القوى العربية الأشد تأثيرًا في المنطقة، خاصة مصر، عمقَها الأفريقي لفائدة قوى أفريقية جديدة على رأسها إثيوبيا التي تربطها علاقات وثيقة بإسرائيل. ورغم الاعتراض المتأخر نسبيًا الذي صدر عن الدول العربية السبع المشار إليها سابقًا، فقد التزمت دول عربية أخرى الصمت حيال الإعلان عن حصول إسرائيل على عضوية الاتحاد الأفريقي بصفتها مراقبًا، رغم ما يحمله القرار من تهديد صريح لأمن ومصالح دول عربية أفريقية عديدة، وأخرى لها مصالح ووجود في أفريقيا، فضلًا عن أنه يأتي بعد شهرين فقط من عدوان إسرائيلي كبير على قطاع غزة، وفي سياق تصاعد الإجراءات والممارسات الاستيطانية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في ظل حكومة يمينية دينية متطرفة.
أمام برود ردات الفعل العربية، تصير الدول الأفريقية في غنىً عن تبرير صمتها هي الأخرى، وهي التي كانت فترة طويلة ملتزمةً مناصرة القضية الفلسطينية، مُشَكِّلةً حجر عثرة على طريق قبول إسرائيل عضوًا مراقبًا، خاصة خلال رئاسة جنوب أفريقيا للاتحاد الأفريقي (2012-2017)؛ حيث تمسكت بموقفها، وأبلغت مفوضية الاتحاد اعتراضها على قرار منح إسرائيل صفة المراقب، وطالبت بإدراج هذه المسألة الحساسة في جدول أعمال المجلس التنفيذي. ومع استمرار الأزمات الداخلية في ليبيا وتأثير ذلك في حضورها في القضايا الأفريقية، ومع تطبيع المغرب والسودان علاقاتهما مع إسرائيل، وحدها الجزائر تصدّت لجهود سحب القرار، حيث شرعت في حشد مواقف مجموعةٍ من الدول الأفريقية المعارضة للقرار، وتشمل إلى الآن، جنوب أفريقيا وتونس وإريتريا والسنغال وتنزانيا والنيجر وجزر القمر والغابون ونيجيريا وزمبابوي وليبيريا ومالي والسيشل، ومن المرجح أن تنضم دول أخرى إلى هذا المسعى.
خاتمة
تدرك إسرائيل أهمية الاعتراف بها رسميًا في الاتحاد الأفريقي، مع أن لها علاقات رسمية وسرّية تربطها بـ 46 دولة عربية وأفريقية، في إطار ترتيبات عسكرية وأمنية واقتصادية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة والتدريب العسكري ومجال التكنولوجيا؛ ولم يمكّنها ذلك من إحراز مكاسب سياسية فحسب، بل مكّنها، أيضًا، من تحقيق مجموعة من المصالح الاقتصادية. وما كان لإسرائيل أن تبلغ عمق أفريقيا لولا تراجع الدور والاهتمام العربيَين بالقضايا الأساسية التي تهم القارة، وتطبيع العرب أنفسهم مع إسرائيل. وإذا ما فشلت مساعي الجزائر وجنوب أفريقيا وغيرهما من الدول الأفريقية، فإنّ انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب سيمنحها إنجازًا معنويًا قبل كل شيء، إضافة إلى بعض الامتيازات، من بينها الوصول إلى القنوات الرسمية للتأثير في القضايا التي تهم مصالحها، وسيكون هدفها الرئيس تقويض التعاطف الأفريقي مع القضية الفلسطينية، وهو ما ينعكس ليس على فلسطين فحسب، بل على المنطقة العربية برمّتها. ويفسر ذلك النبرة الاحتفالية التي أعلن بها وزير خارجية إسرائيل يائير لبيد خبر قبول عضوية بلاده مراقبًا في الاتحاد الأفريقي، باعتباره تتويجًا لجهودٍ استمرت عشرين عامًا تكللت بالنجاح.
عن "عرب48"