آباء ييتمون أطفالهم.. جرائم قتل النساء في ازدياد ملحوظ دون رادع
مظاهرة مناهضة للعنف ضد النساء في رام الله
تقرير: حياة حمدان
رغم دخولنا عام جديد كان قد رفع فيه أبناء شعبنا امنياته بالعيش بسلام واستقرار، إلا أنه ما لبث أن ينتهي الشهر الاول من العام وقد استيقظنا على خبر جريمتي قتل صادمتين بفارق يوم واحد بينهما، لامرأتين من أراضي 48 وهما أمان لأطفال صغار. جرائم قتل النساء ليست بالأمر الجديد بل هو القديم المتجدد المتواصل في ظل غياب قانون يردع المجرم ويحمي المرأة من العنف.
في هذا التقرير سنطلع على بعض قصص جرائم قتل النساء الأمهات خصوصا على يد أزواجهن في الأراضي المحتلة عام ثمانيةٍ وأربعين، وتفاصيل من محامية قانونية لديها العديد من ملفات مشابهة، اضافة لدور المؤسسات النسوية في رفع التوعية للنساء بمعرفة حقوقهن ودعم ومناصرة النساء المعنفات. ومن جهة اخرى سيناقش هذا التقرير جرائم قتل النساء في الضفة الغربية وسيبحث في أسباب استمرارها ودور العرف العشائري في السيطرة على ردات فعل الجريمة، وهل هو جزء من سبب ازدياد الجريمة من خلال الغرامات المخففة على القاتل ام أن دوره الإيجابي يرفع كفة الميزان، وما المعلومات المتوفرة لدى الجمعيات النسوية حول آخر احصائيات حالات قتل النساء في الضفة والابحاث التي انجزتها في الفترة الأخيرة ضمن هذا الموضوع، وكيف تتابع قضايا النساء المهددات بالخطر ممن يلجأن للمراكز المخصصة لحمايتهن.
جرائم قتل النساء في أراضي عام ٤٨ ازدياد ملحوظ ومقلق
بتاريخ الحادي والعشرين من كانون ثاني/ ينانير للعام الجاري قتلت الشابة رسمية بربور من الناصرة (28 عاما) طعنا بالسكين على يد زوجها وكانت حاملا بالشهر الخامس ولديها طفل ذو ثلاث أعوام، واعتقلت الشرطة الإسرائيلية الزوج بعد أن أبلغهم عبر الهاتف بقتله زوجته ليتم تمديد اعتقاله حتى الثلاثين من الشهر الجاري، وبعدها بيوم واحد في الثاني والعشرين من كانون ثاني/ يناير قتلت الشابة سهيلة جاروشي بمدينة الرملة (36 عاما) بالرصاص على يد ملثم وهي بسيارتها رفقة أبنائها ولم يتم العثور على القاتل حتى الان.
رسمية بربور وزوجها الذي قتلها
وخلال بحثنا في ملابسات مقتل الشابة رسمية بربور، ولصعوبة وقع الخبر على ذويها كأمها وأخوتها وانهم ما يزالون يعيشون حالة صدمة وحزن حتى الآن، فقد استطعنا التواصل مع عمها المكلوم سليم بربور الملقب بـ "أبو هشام"، وبصوته المثقل بالتعب والحزن يجيب على هاتفه لاجراء مقابلة التقرير هذا، ليبدأ حديثه بالقول: "الألم يغني عن التعبير، لقد اغلقنا باب الأجر بعد ثلاثة أيام على قتلها، من الصعب أن ننسى، فالجرح ما زال مفتوحا وتُركنا وبداخلنا أسئلة كثيرة دون إجابات، بيتنا أسود لا نستطيع شرح لكم ما نشعر به حاليا، رسمية نحن من ربيناها، وزوجها القاتل محمود اعتبرناه مثل ابننا وعاش في بيتنا لماذا قتلها؟ لقد كان ملاكا وأصبح شيطانا فجأة دون أسباب واضحة، ما الذنب الذي اقترفته بماذا غلطت لتصل الأمور لدرجة القتل؟ اين القانون".
سهيلة جاروشي
وتابع " علمنا بخبر مقتل رسمية من خلال الشرطة، ذهبنا برفقة اخوتها وتعرفنا على الجثة واخذنا ابنها الطفل امير الذي تهتم فيه الان جدته ام المرحومة التي ما تزال تعيش حالة صدمة على فقد ابنتها، فما لبث جرح العائلة ان يلتأم بعد وفاة والد رسمية من نحو عام ونصف، لنكون الان امام خبر مقتلها!، هناك محامٍ يتابع القضية وهناك بعض الجماعات من العشائر من يتابعون أيضا، زوجها قتلها مرة والقانون يقتلها مرة أخرى عندما لا يكون هناك رادع حقيقي، بالنسبة لنا ما زالت الأمور غامضة حول الأسباب والدوافع وظروف القتل وكل هذه التفاصيل لا نعرف عنها شيئا سوى أن الطفل امير الذي كان موجودا وقت الحادثه عندما سألناه ماذا حصل فقط يقول " بابا ضرب ماما بالسكين ،، بابا صيح على ماما".
واختتم بربور حديثه بكلمات بالكاد كان قادرا على نطقها لشعوره بان كل الكلام لن يعيد لهم ابنتهم رسمية: " لقد منحنا الله الروح كي نصونها فبأي ذنب نقتل الروح ونحن لسنا ملاكها، وفي كتاب الله يقول الله تعالى وأوصى بأن القاتل يقتل وفقط يقتل، حسبنا الله ونعم الوكيل".
جمعية نساء ضد العنف توثق وتكاشف وتسائل في قضايا العنف ضد المرأة
جمعية نساء ضد العنف في الناصرة، تابعت قضية المغدورة رسمية منذ اعلان خبر قتلها، وكجمعيات نسوية نظمت وقفة احتجاج واستنكار لهذه الجريمة امام مركز الشرطة في لواء الشمال، وشاركت بنات عم المغدورة في الوقفة، وسيكون لها زيارة لبيت عائلتها لاحقا إضافة الى قرار الجمعية أن تكون موجودة كحراك وجماهير داخل المحكمة مع عائلة المرحومة رسمية في الجلسات القادمة، الأمر الذي سيمنح العائلة معنويات عالية تتمثل بأن هناك من يدعمها، ليشكلوا اعتباراً أمام القضاء أن هناك العديد من المتضامنين المهتمين بهذه القضية الإنسانية.
وحول جرائم قتل النساء قالت مديرة جمعية نساء ضد العنف نائبة عواد: "جرائم قتل النساء نسمع عنها من خلال الاعلام، وللأسف سياسة حكومة إسرائيل هي اصدار أوامر عدم النشر، خصوصا في حالات قتل بالمجتمع العربي الفلسطيني والنساء خصوصا، وهذا يصعب علينا الحصول على المعلومات ومتابعة القضايا، اما إذا استنكرت العائلة الجريمة وتريد محاسبة القاتل فانها تأتي لنا كجمعيات نسوية لنساعدها في الدعم والمناصرة. في إسرائيل قضايا العنف ضد النساء هي حق عام حق للدولة وبالتالي هي توفر محامي لأجل أخذ الاحكام ضد المجني عليه لكن هناك قانون آخر وهو حقوق متضرري الجريمة، فاذا المتضرر امرأة معنفة ما زالت على قيد الحياة تستطيع ان تطالب بلائحة اتهام وأن تقول شهادتها باللغة العربية وأن يكون معها مرافقين او أن نرافقها كجمعية من أجل الدعم فقط لأننا كجمعيات لا يوجد لنا تمثيل قضائي بل تقديم مساعدات معنوية".
وحول أسباب ازدياد حالات العنف ضد النساء تابعت عواد: "الإمكانيات الموجودة في مؤسسات الرفاه الاجتماعي للعربيات أحيانا غير مهيأة أي مثلا لا يكون هناك نساء عربيات عاملات، واللغة خصوصا لا يوجد ترجمة للعربية، وواحدة من التحديات أيضا انه لا يوجد أُطر للأطفال ضمن هذه المؤسسات، فمثلا المأوى يكون غير مناسب لهم بسبب موضوع تقدير الخطر على الأم وطفلها من قبل الشرطة، فيكون المأوى في منطقة لا يوجد فيها مدارس عربية وهذا يصعب على الأم الموقف وتضطر للعودة لدائرة العنف اذا كان مصدر تعنيفها هو بيت زوجها او أهلها وهكذا يستمر العنف ".
وتابعت: " سبب آخر لازدياد حالات العنف هو أننا نعيش في مجتمع ذكوري يتعامل بدونية تجاه المرأة ويفضل الذكور على الإناث منذ ولادتهم، هناك قمع وتهميش للحريات فهم لا يتعاملون مع حقوق النساء كحقوق انسان
وهذا ما يجعل الرجال يخافون على مكانتهم مما يساهم في قمع الحريات والتمييز، المجتمع بأسلوبه هذا يساعد في إسكات حقوق المرأة، أيضا للعائلة دور كبير في هذه القضايا فبعض العائلات تعطي شرعية للسيطرة على النساء وان يكن دائما تابعات للرجال".
مؤسسات الرفاه تساهم في تجديد جرائم العنف ضد النساء
وتابعت:" هناك سياسة عنصرية متقاعسة ضدنا، نحن نواجه القمع كوننا أقلية قومية وجزء من مجتمع ذكوري، أيضا مؤسسات الرفاه الاجتماعي تساهم في تجديد جرائم العنف ضد النساء، وعلى مستوى دور الأحزاب، وعلى مدار السنين هناك تراجع كبير يزداد عاما تلو عام، هم يطبطبون على قضايا العنف ضد النساء ويساومون على الخطاب الحقوقي العلماني لأجل مصالحهم الخاصة ليشكلوا تحالفات ومناصب، هناك تخاذل في خطاباتهم تجعل الحريات تتقلص والمجرم يطمع في استمراره بارتكاب الجرائم، أيضا انتشار السلاح غير المرخص في مجتمعنا الفلسطيني بالداخل هو جزء من تحفيز ارتكاب الجريمة فحسب الإحصاءات فإن ستين في المئة من النساء اللواتي قتلن كانت أداة الجريمة هي السلاح الناري".
واردفت: " نحن نوثق نكاشف ونسائل على مستوى دولي ومحلي، فمحليا في البرلمان لدينا في بداية الشهر القادم شباط جلسة لجنة المرأة وسنقدم نتائج بحث كنا قد اعددناه مع مركز الطفولة عن قضايا قتل النساء من عام ألفين وثمانية إلى ألفين وثمانية عشر لمعرفة معالجة الشرطة للموضوع بمعلومات حصلنا عليها من المحكمة، وسنستخدمه كدليل على الحقائق التي توصلنا لها حول تعامل الشرطة والمحكمة ولدينا أسئلة نريد إجابات عليها".
كما وطالبت عواد ان يكون هناك تعاضد في المسؤولية واعتبار القضية مجتمعية من الدرجة الأولى الامر الذي يتطلب جهودا كاملة لتحمل المسؤولية، مشيرة الى ان الاعلام يعتبر شريكا أساسيا فهو يطرح قضايا المرأة في المناسبات فقط لكن يجب ان يتم تفعيل دوره طوال العام، ويجب تغيير الخطاب الإعلامي وعدم تبني دائما مصطلح قتل تحت ما يسمى الشرف.
واقامت الجمعية اول مأوى للنساء المعنفات واطفالهن عام 1993، وكان الأول للنساء العربيات بكل المنطقة، وفي عام 2021 تم افتتاح مأوى ثانٍ بسعة استيعابية لكل مأوى اثنتي عشرة امرأة وأطفالهن لحد أربعة وعشرين طفلا، إضافة لبيتين انتقاليين لنساء معنفات حياتهم ليست بخطر لكنهم في ضائقة، ويعيشون بالبيت بمرافقة طاقم مشرف من نساء مهنيات لمدة نحو عام ونصف. وفي الداخل بشكل عام 16 مأوى للنساء اثنان منهم للنساء العربيات والباقي للنساء اليهوديات وثلاثة مختلطة بين يهوديات وعربيات بحيث تكون نسبة العربيات من الداخل والقدس خمسة وأربعين في المئة من مجموع النساء في الستة عشر مأوى. وبناء على احصائيات عام ألفين وواحد وعشرين أحد المأوي التي تدريها الجمعية استقبلت أربعة وخمسين امرأة، ثلاثون منهن خرجن لحياة مستقلة وهذا انجاز كبير كونهن لم يعدن لدائرة العنف وهذا أحدث تغييرا على وضع النساء اللواتي أصبحن على معرفة تامة بحقوقهن.
مظاهرة نسوية في غزة
أخبرت الشرطة انها مهددة قبل ان يقتلها زوجها
وفي جريمة قتل أخرى حدثث بتاريخ 16/11/2020 في مدينة عرابة البطوف في الجليل الاسفل، قُتلت وفاء عباهرة على يد طليقها بعد ان كان يلاحقها واصطدم بسيارتها وطعنها بآلة حادة عدة مرات ثم لاذ بالفرار، مع العلم انها ام لخمسة أبناء. وقبل قتلها كانت قد لجأت للشرطة لتخبرهم انها مهددة بالخطر لكن لم تلقَ الحماية المطلوبة.
ولمعرفة اخر مستجدات قضية المغدورة وفاء في المحكمة لمحاكمة القاتل، تواصلنا مع محامية العائلة الأستاذة عبير بكر والتي أفادت أن: "محكمة وفاء من البداية كان من المفروض ان تكون علانية مع السماح لأهل الفقيدة بالمشاركة في الجلسات اضافة لكل شخص صحافي او مواطن او اي زائر، ولكن بسبب وجود ادعاء بأن اخوان المرحومة اعتدوا على المتهم خلال المداولات القانونية فقد تم اغلاق الجلسات وتقييد عدد الحضور، اضطررنا ان نوافق لفترة معينة لحين هدوء الأحوال بسبب شجار في المحكمة، ولكن سنجدد الطلب بفتح الجلسات أمام كل الجمهور ليس فقط لعائلة الفقيدة، فالقانون الاسرائيلي يسمح لأهل المغدورة بالتواجد في القاعة وان كانت الجلسات مغلقة ولكنها اغلقت أمام الجميع وسنجدد الطلب حتى نسمح للجميع بالمشاركة في الجلسات بدون تقيدات ".
قضايا قتل منظورة أمام المحاكم الاسرائيلية منذ 5 سنوات
اما بالنسبة لمماطلة المحاكم في اصدار الحكم لقضايا قتل النساء علقت عبير: "ليس بالشيء الغريب موضوع مماطلة المحاكم، فلدي مثلا قضايا قتل نساء من خمس سنوات ولم تنته حتى الان، المماطلة عادة تكون بسبب نوعية الأدلة من قبل الدفاع او من أجل الانهاك لعقد الصفقات، وهذه واحدة من التكتيك او الاستراتيجية التي يتبعونها عادة، بالنسبة لقضية وفاء لا اعتقد ان تدوم اكثر من سنتين وخلال سنتين سينتهي الملف ، اغلب الشهادات المهمة سمعت ولكن بموضوع وفاء نحن نعلم من القاتل ورأينا القاتل والأمر متلفز، وتأكدنا من وجود تقصير من مؤسسات الرفاه الاجتماعي بالأساس والشرطة التي اعترفت بالمحكمة انه وبعد لجوء وفاء لهم سابقا تم انزال درجة الخطورة عنها قبل اسبوعين من مقتلها، وكانوا قد قرروا أن المرحومة خرجت عن الخطر ولا يوجد حاجة لتعريفها انه يتهددها خطر كبير، وللأسف لم يتم اخبارها انهم انزلوا عنها الحماية، وخلال استجواب الشرطي اعترف انه كان يعلم وواضح له ان هذه الأمرأة ستقتل وكان يجلس مع القاتل وهو يعلم ان هذا الشخص سوف يقتل زوجته يوما ما، والحل الوحيد الذي طرح على المرحومة اتركي بيتك واذهبي الى ملجأ والشخص المتهم موجود بين ايادي الشرطة الذين يتنبأون ان هذا الشخص خطير ولكن دون عمل أي شي تجاه هذا الموضوع وبالنهاية قتلت وجاء الشرطي للمحكمة ليقول "انا والله اتوقعت قتلها ".
وتابعت: " الأمر الأخير تخاذل الشرطة، الموضوع أولويات إذا كان هناك أولويات للتجسس يستطيعون جلب المعلومات من على بعد آلاف الكيلو مترات وان يخترقوا هواتفنا، لكن موضوع قتل النساء ليس اولوية، الأمرالثاني هو النيابة، هناك اسراع بعقد الصفقات فبدل ان يكون حكم القاتل مؤبدا او حكما بقتل مع سبق الإصرار، يتم تخفيف الحكم ويلطفوا بنود الاتهام ليتم لاحقا تخفيف العقوبة، والسبب انه لا يوجد شهود عيان او وجود شهادات مركزية".
واختتمت عبير: " دورنا كمجتمع هو الذي اوصلنا لمرحلة عدم إبلاغ الشرطة عن حالات قتل امرأة، وهذا ما حدث مؤخرا البعض لم يبلغ عن وجود قتيلة بين ايديهم او ان هناك اعتداء على امرأة ، مجتمعنا للأسف يحاول صرف النظر عن الإبلاغ لهدف عدم النشر باعتبار الموضوع" فضيحة"، بما معناه ان قتلت إمراة هذه فضيحة والقاتل من العائلة وهذه فضيحة اخرى، المعنى اننا يجب ان نبارك لكل عائلة تلجأ الى المحكمة وتطالب بحق المغدورة وتطالب بانزال العقوبة بحق المتهم، فقط هذه الطريقة الوحيدة حتى يتم تخجيل كل من يعتدي على امرأة مستقبلا. نحن مجتمع يأخذ بحساباته أمر الخجل لذلك موضوع قتل النساء حتى الآن ما في خجل، لقد التقيت مع من قتل اخته او زوجته كمتهمين ولم الحظ انهم يشعرون في أي نوع من الخجل من تصرفاتهم، بينما هناك تهم اخرى نجد فيها تخجيل مجتمعي للناس، القاتل هذه الأيام يقتل ورأسه مرفوع في المحكمة. القانون كاف للعقوبة، في القانون أقصى عقوبة للقتل هي المؤبد ولكن للأسف لا يردع هذا الموضوع، فهنا يكمن دور للمجتمع وليس فقط للقانون نحن نريد ان نمنع القتل اهم من محاكمة القاتلين، وتوفير حماية وعلاج للمرأة وتمكينها اقتصاديا، وان لا تجبر على العيش في اجواء عنف وذل فقط ليكون لديها معيل، يجب توعية النساء واخراجهن من دائرة الخطر".
في الضفة الغربية: ٩٥ ٪ من مشكلات القتل يكون حلها عشائرياً
من المعروف أن المجتمع الفلسطيني هو مجتمع قبلي عائلي، ففي اغلب حالات الخلافات والنزاعات يكون اللجوء للعشائر بالدرجة الأولى، فلتدخل العرف العشائري في قضايا القتل عموما وقتل النساء خصوصا إيجابيات وسلبيات، سنتطرق لها في مقابلة مع المصلح العشائري جمال درعاوي والذي بدأ حديثه بتوضيح أسباب التدخل العشائري منذ القدم وقال: "فيما يخص الوضع الفلسطيني والذي مر باحتلالات متواصلة لم يكن هناك دولة تضبط الوضع الداخلي وتحمي حقوق الناس وكان الدور الأساسي للعرف العشائري للتدخل لحل المشاكل، لما له من دور إصلاحي بشكل أساسي ولكنه لا يمتلك أسباب القوة ليتخذ قرارات بالسجن او القتل لذلك الدور يكون إصلاحيا اجتماعيا".
وتابع :"المرأة عبر العصور والشريعة الإسلامية مصانة بالحقوق ومحافظ عليها وفي حالات الاعتداء عليها بالضرب او الإهانة وصولا للقتل من اي طرف خارج اطار الأسرة كان يتم الرد بشكل فوري ورادع بالغرامات المضاعفة على المعتدي وذوي المعتدي، انما في ظل وجود اعتداء على المرأة بداخل الأسرة كان هناك ضعف في الرد العشائري والذي يتمثل بعدم التدخل الا اذا لجأت المرأة لرجال الإصلاح لطلب التدخل والحماية، وفي حالات القتل تكون دية المرأة التي قتلت دون ذنب وفقط خلاف اجتماعي تغرم الجاني وردود فعل قوية ضد الجاني وذوي الجاني، اما اذا كانت القضية تحت مسمى الشرف يكون التدخل العشائري ضعيفا ولذلك يهدر حقها وتضعف عملية متابعة الوصول للحقائق".
وأردف:" عندما تقتل المرأة ويتم دفع الدية وهي قيمة تعويض مادي، إذا قبلت بها عائلة المقتولة فالتعويض يلزم أهل المجني عليها بالتنازل عن الحق الشرعي، فالحق العام يكون بتحصيل من الدولة، والقضاء من المفروض ان يتابع إذا حدث اي تنازل رسمي من ذوي الملف يتم اسقاط الحق الشخصي لإنهاء القضية".
مظاهرة نسوية في ام الفحم
دور التدخل العشائري بين السلبية والايجابية
اما بالنسبة الى إيجابيات التدخل العشائري، علق درعاوي: "في ظل ضعف قوة الشرطة الفلسطينية بالسيطرة والدخول لبعض المناطق مثل الأراضي المصنفة ( ج) و( أ)، فيكون هناك تدخل فوري من العشائر وسرعة وصولهم الى الموقع ومحاولة ناجحة في وقف ردة الفعل والتخريب وحالة الفوضى والفلتان وضبطها الى حد ما، أيضا يساهم التدخل العشائري في سرعة عدم بقاء الجروح مفتوحة، فيغلق ملف القضية خلال سنة او سنتين بالكثير، إضافة الى ان تقديم التعويض المادي في حال أن المرأة التي قتلت لديها أطفال ولا معيل لهم فالمبلغ يغطي احتياجات الأطفال لفترة زمنية معينة".
ومن جهة أخرى فلا بد من وجود سلبيات للتدخل العشائري، وتابع درعاوي: " المبالغ المالية أحيانا لا تشكل رادعا للجميع بل الحبس يشكل رادعا اقوى للبعض، أيضا الغرامة المالية المنخفضة من ٥٠ الى ١٠٠ ألف دينار تطمع القاتل بالاستمرار بالجريمة، اما مبدأ إلزام العائلة الممتدة للدرجة الخامسة بالمشاركة في دفع الغرامة فهذا يطمع القاتل بأن المبلغ يقسم على جميع العائلة".
وأضاف: "هناك تعاون بيننا وبين الشرطة من خلال صكوك تقديم عطوة مصالحة وتأخذها الشرطة بعين الاعتبار من منطلق الحفاظ على السلم الأهلي وحماية النسيج الاجتماعي، العشائري جزء من منظومة العدالة المجتمعية وتتعلق أيضا بصفات الشخوص المتدخلين، لكن تقريبا ٩٥ في المئة من مشكلات القتل يكون حلها عشائرياً".
واختتم درعاوي:" رسالتي للمجتمع الفلسطيني ان يبتعدوا عن العنف وان يتحكموا في ردة الفعل، لان لا أحد منا يستطيع احتمال دم انسان قتل، رسالتي لرجال الإصلاح ان يتقوا الله في عملهم وان يكون ببعد وطني وديني واخلاقي بعيدا عن المصالح الشخصية والمكاسب، فالأصل في عمل رجل الإصلاح ان يكون تطوعيا ولكن هناك حالة فلتان وارتزاق وامتهان للعمل العشائري، وادعوهم ان يحرصوا على ان يكون الحد الأدنى للغرامات بهدف الردع وعدم تكرار الجريمة".
المؤسسات النسوية في الضفة: حالات العنف زادت في الحجر الصحي
وفي حديث مع الاخصائية الاجتماعية مجدولين ناطور من مؤسسة تنمية واعلام المرأة "تام" في مدينة بيت لحم، علقت على موضوع متابعتهم لقضايا العنف ضد المرأة قائلة: " يتم متابعة قضايا النساء عامة وقضايا العنف بشكل خاص من خلال التواصل الذي يتم بيننا وبين النساء اما عبر الهاتف او عبر منصة كوني بأمان، حيث يتم استقبال الرسائل والتواصل معهن او من خلال التوجه بشكل شخصي للمؤسسة او من خلال التحويل الذي يتم بيننا وبين وزارة التنمية الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
وأضافت: "المتابعة تكون على شكل متابعة نفسية اجتماعية دعم وارشاد، أيضا تشبيك وتحويل مع جهات الاختصاص مثل الشرطة والصحة ووزارة التنمية الاجتماعية، كل حالة حسب حاجتها وطبيعة مشكلتها، كما وتتم المتابعة من الجانب القانوني من خلال التحويل على محاميات ومحامين في المؤسسات التي تقدم هذه الخدمات طبعا بشكل مجاني".
دور الاعلام في حملات الدعم والمناصرة
وحول التغيير الذي احدثته المؤسسات بمتابعة هذه القضايا، تابعت :"التغيير دائما موجود، ودائما نسعى حتى يبقى موجودا حتى لو ان وتيرة التقدم بطيئة الا ان ذلك يمنع وجود يأس، التغيير في مؤسسة "تام" اخذ المنحى الإعلامي والمجتمعي: إعلاميا يتم تسليط الضوء على قضايا العنف من خلال حملات الضغط والمناصرة التي تتم من خلال النشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والانتاجات الأخرى مثل الفيديوهات وغيرها على سبيل المثال حملات للمطالبة بإقرار قانون حماية الاسرة من العنف، و سابقا في 2016 من خلال حملات الضغط المجتمعي تم تجميد العمل بمادة رقم 99 من قانون الأحوال الشخصية حول اسقاط الحق الشخصي في جرائم قتل النساء، وايضا تجميد مادة رقم 308 من قانون العقوبات حول تزويج الضحية للمغتصب."
وتابعت: "كما ويكون التغيير من خلال نشر قصص نجاح لنساء ناجيات من العنف، لأن مثل هذه القصص تشجع النساء أن يتوجهن ويتقدمن بشكوى لوقف العنف ووضع حدود للحفاظ على حياتها وحياة أبنائها وتكون نموذجا للقوة والمواجهة من خلال اعتمادها على وجود جهة تحميها وتساندها حتى لو لم تلق الدعم من المجتمع المحيط. اما التغيير على مستوى القوانين مرتبط بشكل أساسي في الحكومة لانها هي الجهة التي تشرع وتنفذ القوانين، وبالتالي نحن كمؤسسات مجتمع مدني ومؤسسات نسوية نطالب الحكومة ان تتعاون معنا وتكون الإجراءات أسرع لأن العنف وحالات القتل بازدياد متتالي، وبالتالي فإن نعيش بأمان وكرامة ليست مطلبا بل هو فعليا حق لكل امرأة ولكل انسان يتعرض لانتهاكات وعنف".
وحول أسباب ازدياد حالات العنف ضد النساء، علقت مجدولين: "من ناحية قانونية هو عدم وجود قوانين رادعة ومن المفروض عدم التساهل مع المعتدي من خلال الكفالات المالية التي تخلص المعتدي ويخرج من القضية وكأن شيئا لم يكن. ومن جهة مجتمعية نحن بحاجة لان نعيد النظر بأسلوب التنشئة الاجتماعية والتربية المتبعة بين الأهل، وان نقول كفى للتمسك بأساليب التربية التي تشجع العنف والاهانة مثل الضرب والقمع والعنف اللفظي والنفسي، لان الطفل عندما تتم تنشأته بهذا الشكل وعندما يرى والدته تعنف على يد والده فهو فعليا سيعتبر والده قدوته ومستقبلا سيقلده ويحمل صفاته".
وأضافت: "أيضا هناك دور على الأهل في هذه القضايا، فمثلا عندما يرى الأهل ان ابنتهم تتعنف في بيت زوجها وتلجأ لهم فيكون دورهم في بعض الأحيان سلبي من خلال اسكاتها ودعوتها للتحمل والعودة لبيت زوجها بحجة تربية الأبناء، وان زوجها ستتحسن معاملته لاحقا لها، كل هذه المبررات لأجل انهم لا يريدون لابنتهم ان تصبح مطلقة وكأن المطلقة هي مجرمة، وبالنهاية الى ماذا نصل؟ يقتلها، وإذا لم تقتل يبقى يضربها لما قبل الموت بقليل."
وحول ادانة جرائم قتل النساء والتدخل العشائري قالت مجدولين:" المؤسسات النسوية ومؤسسات المجتمع المدني التي تعنى بحقوق الانسان تدين جرائم القتل وتدين كافة اشكال العنف سواء اتجاه النساء او اي فئة أخرى، اما بالنسبة للتدخل العشائري ليس سيئا ولديه إيجابيات في بعض القضايا المجتمعية، لكن على مستوى التدخل بقضايا قتل النساء فبرأيي فيه اجحاف وظلم كبير لان القضية تنتهي بفنجان قهوة ومبلغ مالي، بالمقابل حياة الانسان لا تقدر بثمن وبأي حق من الأصل يتم انتهاكها وانهائها".
كورونا أثرت سلبيا على الأسر الفلسطينية
وفي الإجابة على سؤال تأثير جائحة كورونا على ارتفاع مستوى قضايا العنف ضد المرأة، قالت مجدولين: " إن أثر كورونا كان سلبيا جدا على الأسر الفلسطينية، كان هناك أثر اقتصادي أيضا وفقدان الأعمال، وزيادة الأعباء المنزلية والاحتياجات، مما شكل الاحتكاك الكبير بين أفراد الأسرة والتواجد بالبيت للجميع اوجد مشاحنات ومللا ووقت فراغ كبير، والبعض لم يكن يعرف كيفية إدارة وقت الحجر بأشياء مفيدة، طبعا هذه معلومات مصدرها من النساء عندما كُنّ يتصلن ويقدمن شكاوى ويطلبن استشارات نفسية لكيفية التعامل مع الأطفال والزوج. أيضا الخوف من فيروس كورونا والاصابة كان عاملا أدى لخلق ضغوطات عند الأسر خاصة الأسر التي لديها أفراد يعانون من أمراض مزمنة أو أطفال او مسنين وبالتالي الحفاظ على النظافة والتعقيم هو مصدر ضغط نفسي ومادي أيضا نظرا للحاجة للمواد المعقمة وغيرها.
وتابعت: "وجميع هذه الضغوطات أدت لازدياد في حالات العنف بجميع أشكاله وصولا للقتل، فعلى سبيل المثال ووفقا لدراسات، فقد زادت الدعوات المتعلقة بسوء المعاملة والعنف، وتحديداً العنف المنزلي من الأزواج للإناث بنسبة 38٪ منذ بداية الإغلاق بما في ذلك العنف اللفظي والجسدي والنفسي والجنسي، مما أدى إلى زيادة الخوف والتوتر والتظلم والضغط النفسي. في الناصرة وبلدات عربية أخرى في أراضي عام 1948، سُجلت زيادة ملحوظة بنسبة 20٪ في حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي".
وبخصوص احصائيات حالات القتل، صرحت مجدولين: " تم تسجيل حالات قتل النساء تحت مسمى موت غير طبيعي (قتل، انتحار، موت في ظروف غامضة) بواقع ثمان عشرة سيدة في الضفة الغربية وتسع عشرة سيدة في غزة في عام 2020. وفي عام 2021 تم تسجيل اثنتي عشرة حالة قتل في الضفة الغربية وإحدى عشرة في غزة.
هذا الى جانب ان معظم المؤسسات التي لديها خطوط ساخنة قالت ان نسبة تلقيها للشكاوى من النساء زادت بشكل كبير جدا في فترة كورونا والاغلاق".
الدعوة لإتمام قانون حماية الأسرة
واختتمت: " برأيي حتى لا تستمر حالات العنف يجب ان يتم اقرار وتنفيذ قانون حماية الأسرة بشكل أساسي وبعدها نبدأ من البيت والمدرسة والمجتمع المحيط وان نتوقف عن التعامل مع العنف والتنمر انه امر طبيعي ونبدأ بتبريره. الى جانب الاستمرار بحملات التوعية المجتمعية لمناهضة العنف وحملات الضغط والمناصرة لضمان تحصيل الحقوق الأساسية حتى يعيش الانسان بحرية وكرامة، ومن المهم جدا أن يتم المطالبة بتأمين بيئة عمل آمنة للنساء خالية من أي شكل من أشكال عنف أو التحرش".