"أعادوا تموضعهم".. "حلفاء" الأسد في لبنان "يذمونه" بقلم: أسرار شبارو
بعد سنوات من الحرب والأزمات والاعتقالات، طويت صفحة نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر، لتبرز سلسلة من التغيرات السياسية داخل وخارج سوريا.
لبنان، الذي تأثر لعقود بسياسات هذا النظام، لم يكن بمنأى عن هذه التحولات، إذ بدأت تظهر مواقف جديدة ومفاجئة من قبل عدد من السياسيين والإعلاميين اللبنانيين، الذين كانوا حتى وقت قريب يعتبرون من أبرز حلفاء الأسد.
فمع انهيار النظام السوري، وجد حلفاؤه اللبنانيون أنفسهم أمام مأزق سياسي حرج. بعضهم بدأ بتغيير مواقفه ومهاجمة الأسد في محاولة لإعادة التموضع ضمن الخارطة السياسية الجديدة.
وكانت المعارضة السورية المسلحة أسقطت بشار الأسد بعد معارك انطلقت من ريف حلب وصولاً إلى العاصمة دمشق، منهية حقبة آل الأسد بعد حكم دام لنحو خمسة عقود.
تنصل وانتقادات
من أبرز الشخصيات التي انقلبت على النظام السوري بعد سنوات من دعمه، رئيس حزب التوحيد العربي، الوزير السابق، وئام وهاب، ففي مقابلة له على تلفزيون الجديد في 12 ديسمبر، وجّه وهاب انتقادات حادة إلى الأسد، متّهماً إياه بالهروب إلى روسيا دون أي مقاومة تذكر.
كما أشار إلى انتشار معامل تصنيع الكبتاغون في سوريا، واصفاً ذلك بأنه "غلطة كبيرة" ومسألة "لا أخلاقية"، مؤكداً أن الحل لم يكن ممكناً في ظل حكم الأسد.
وهاب اعتبر أن محور الممانعة انتهى فعلياً مع اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، موجهاً نصيحة للشيعة بالدخول في مسار التطبيع والسلام مع إسرائيل، قبل أن يتراجع عما قاله في تغريدة عبر صفحته على منصة "إكس"، جاء فيها "لم أتحدث عن التطبيع، بل قلت بأن الشيعة أعطوا فلسطين أغلى ما يملكون وفي طليعتهم السيد، فرد الإخوان وتركيا بإسقاط سوريا لقطع الطريق لذا قلت ان الأمة لا تريد ان تقاتل فرتبوا أموركم حتى لا تستمروا في دفع الثمن".
من جهة أخرى، النائب جميل السيد، المعروف بعلاقاته الوثيقة بالنظام السوري وببشار الأسد شخصياً، وصف الأسد بعد سقوطه بالمجرم في تغريدة قال فيها "من سخرية القدر أن قادة ميليشيات لبنانية خطفوا وقتلوا وذبحوا واعتقلوا وعذبوا وهجّروا الآلاف.. يخرجون اليوم مستنكرين جرائم النظام في سوريا. عندما ينتقد مجرمٌ مجرماً آخر، فهذا لا يجعله بريئاً، بل يجعلهما متساويين في الإجرام".
وفي تغريدة أخرى، قال السيد "انتهت الحرب وانتصر المعارضون، بينما الخاسرون أطلقوا تصريحات إيجابية نحو النظام الجديد (..) وكأنها لعبة كرة قدم، مع فارق أن الكرة هنا بشرية. رحم الله من مات شهيداً أو قتيلاً، وإلى مباريات أخرى".
أما رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، طلال أرسلان، المعروف بعلاقته الوثيقة مع النظام السوري، فقد شدّد في حديث صحفي على احترامه "قرار وإرادة الشعب السوري وطموحه للتغيير"، مؤكداً أن ما يهمّه وحدة الأراضي السورية، ومنع الانزلاق إلى الفوضى أو التقسيم، مع الدعوة إلى تحرير سوريا من الجيوش الإقليمية والدولية المتصارعة.
وعلى صعيد الإعلام، شهدت الساحة اللبنانية تغييرات ملحوظة في مواقف بعض الإعلاميين. الصحفية غدي فرنسيس، على سبيل المثال، وصفت بشار الأسد في تغريدة بـ"الوريث الغبي المجرم"، وقالت "الأسد أو نحرق البلد... نفذ هذا الشعار بحذافيره، أحرق البلد وكذب على الجميع: الإمارات، السعودية، إيران، روسيا، والمقاومة".
من جانبه عبّر الإعلامي سالم زهران عن موقفه بتهكم في حديث إعلامي، قائلاً "إذا كان بشار الجعفري ورئيس الحكومة ووزير العدل ووزير الأوقاف سعداء، فلماذا أحزن أنا؟"
أما الإعلامي فادي بودية، فقال في مقابلة "بدأ الناس يلقون باللوم على حزب الله وإيران وروسيا، أي حلفاء النظام السوري، رغم أن هؤلاء الحلفاء لا يقاتلون عن النظام إلا عند الضرورة، عدا عن أن الشعب السوري كان يستقبل هذا التغيير، والجيش السوري لم يقاتل، والقيادة السورية التزمت الصمت المريب".
من جانبه، انقلب إمام وخطيب جامع "الإمام علي بن أبي طالب" الشيخ حسن مرعب، المعروف بدعمه السابق لـ"حزب الله" على الحزب بعد سقوط الأسد، قائلاً في تغريدة: "حزب الله ناكر للجميل فبالأمس كنت "إماماً وشيخاً ومرجعاً سنياً"، أما اليوم فصرت بالنسبة لهم شيطاناً رجيماً بسبب مواقفي من سوريا وأنا تحملت كثيراً نتيجة مواقفي المؤيدة لهم".
ووصف الأسد بالمجرم السفاح الهارب قائلاً "لعنة عليه وعلى والده وعلى نظامه وزبانيته ومن والاهم وأيدهم ونصرهم ".
أسس هشّة
يستحق النظام السوري انقلاب بعض المسؤولين عليه، كما يقول الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، موضحاً أنه "أرسى تحالفاته على شخصيات مثل وئام وهاب. فلو لم يكن لهذا النظام دور مركزي في لبنان، لما تمكن وهاب من الوصول إلى موقع وزير ورئيس حزب".
ويشدد: "الهزيمة يتيمة والنصر له مئة أب وأم. اليوم، الكثيرون يتنصلون من النظام السوري لأنه فعلياً انتهى، لكن اللبنانيين يدركون من استفاد منه، سواء عبر المناصب الوزارية أو شبكات التهريب عبر الحدود، هذا الأمر محفور في الذاكرة اللبنانية، حتى وإن حاول البعض إنكار تورطهم".
وعلى مدار سنوات طويلة، اتسم النظام السوري، كما يقول السبع "بنهج مزاجي في تعامله مع الملف اللبناني، مع غياب واضح لقراءة دقيقة للواقع السياسي في هذا البلد. هذه السياسة أفضت إلى سلسلة من الإخفاقات التي انعكست على الساحة اللبنانية".
ويشير السبع إلى الفوارق الجوهرية بين نهج الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد في التعامل مع الساحة اللبنانية، وفقاً له، "كان حافظ الأسد من أكثر القادة إلماماً بتوازنات القوى في لبنان وفهماً لقيمة وحضور الأطراف السياسية. ورغم التحولات السياسية المعقدة، حافظ على زعامة كلٍّ من وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، مدركاً أهميتهما في المعادلة اللبنانية".
في المقابل، "تبنى بشار الأسد مقاربة مغايرة أثارت العديد من التوترات. فقد عادى جنبلاط، الذي يمثل شريحة درزية واسعة ويجسد الضمير والوجدان الدرزي، وفضّل التعاون مع وئام وهاب. إلا أن وهاب، كان أول السياسيين المنقلبين فعلياً على النظام السوري".
ويرى الباحث في الشأن السياسي أن الفرق الأساسي بين حافظ وبشار يكمن في طريقة وصول كل منهما إلى السلطة: "حافظ تولى الحكم عبر انقلاب عسكري وأرسى استقراراً في سوريا بعد فترة طويلة من الانقلابات، ليحوّلها إلى لاعب إقليمي مؤثر. أما بشار، فانتقلت إليه السلطة بالوراثة، وأحدث تغييرات جذرية في بنية النظام، حيث استبعد قيادات بارزة كانت جزءاً من استقرار الحقبة السابقة، مثل غازي كنعان وعبد الحليم خدام وفاروق الشرع، حيث استبدلهم بضباط ناشئين".
يذكر أن السفارة السورية في بيروت، رفعت الثلاثاء الماضي، علم الثورة السورية الأخضر المزين بثلاث نجمات، بدلاً من العلم الذي كان يعتمده نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
وفيما يتعلق بإمكانية وصول رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية (مرشح حزب الله) إلى رئاسة الجمهورية في ظل تغيّر المشهد السوري، يشير السبع إلى أن "بشار الأسد اعترض في عام 2004 على وصوله إلى رئاسة الجمهورية، وأصر على انتخاب الرئيس إميل لحود، وهو ما ساهم في تأجيج الوضع وصولاً إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 وخسارة النظام السوري لورقة لبنان".
ومع ذلك، يوضح السبع أن "آل فرنجية يتمتعون بحضور سياسي في لبنان منذ عام 1929، أي قبل حكم آل الأسد في سوريا"، ويقول "رغم العلاقة العلنية بين فرنجية والأسد، إلا أن الأخير لم يقدّم دعماً ملموساً له، خاصة خلال فترة ترشحه للرئاسة".
ويشدد "كان بإمكان بشار الأسد التواصل مع دول كالسعودية أو الإمارات لدعم فرنجية في الانتخابات الحالية، لكنه لم يفعل. في المقابل، استفادت أطراف لبنانية أخرى بملايين الدولارات من علاقتها بالنظام. فالحليف الحقيقي للأسد هو من استفاد مالياً، وليس من يكتفي بالعلاقات الدبلوماسية فقط".
كما أن الحليف الحقيقي للأسد من حارب لعدم سقوطه كونه يستفيد من طرق الإمداد بالسلاح عبر سوريا أي حزب الله الذي لم يذكر أمينه العام نعيم قاسم، الأسد بالاسم في خطابه الأخير، قائلاً إن الحزب لا يستطيع الحكم على الحكام الجدد في سوريا قبل أن تستقر الأوضاع في البلاد، معرباً عن أمله في أن "يحدث تنسيق بين الشعبين السوري واللبناني وحكومتي البلدين".
وسط هذه التطورات، يطرح السؤال عن مدى انعكاس هذه التغيرات على المشهد السياسي اللبناني، هل هي بداية لمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية أم مجرد حسابات شخصية وسياسية مرتبطة بتغير موازين القوى في المنطقة؟