قراءة إسرائيلية فــــــي مسـتــجـــــدات الــــردع الأمـــيركـــي

قراءة إسرائيلية فــــــي مسـتــجـــــدات الــــردع الأمـــيركـــي

قراءة إسرائيلية فــــــي مسـتــجـــــدات الــــردع الأمـــيركـــي



بقلم: فريق معهد السياسة والاستراتيجية  

برئاسة اللواء احتياط عاموس جلعاد*

تتواصل الحرب في أوكرانيا، ولا يلوح في الأفق اختراق عسكري أو سياسي يغير وجه المعركة.
تشدد روسيا الضغط على السكان المدنيين وتجبي منهم ثمنا باهظا، ولكنها لا تنجح في هذه المرحلة في تحقيق أهدافها – هزيمة الجيش الأوكراني وحله، واستبدال الحكم بحكومة دمى روسية.
يساعد الغرب بقيادة الولايات المتحدة حكومة زلنسكي بنقل الوسائل القتالية والمساعدات الإنسانية، بممارسة الضغط السياسي، والمالي - الاقتصادي، وبالتشهير ونزع الشرعية عن روسيا في كل محفل أو مناسبة دولية. ومع ذلك، يمتنع الغرب عن المساعدة العسكرية المباشرة أو عن فرض حظر طيران فوق سماء أوكرانيا خوفا من الانجرار إلى حرب شاملة. أما روسيا بالمقابل، فلا تخشى الضغط الذي يمارس عليها حتى الآن وتواصل العمل ضد أهداف عسكرية ومدنية، في ظل طرح تهديد باستخدام قدرات نووية في حالة تدخل الغرب في المعركة.

في هذه المرحلة، يصعد الطرفان ردود أفعالهما، ولا يحاولان اتخاذ خطوات أو تنازلات تقرب نهاية المعركة.
في هذا الوضع، تحتد الآلية وتقرب الوضع من نقطة اللاعودة في العلاقات بين الغرب وروسيا.
في إطار هذه الآلية المتصاعدة، تعمل القوة العسكرية الروسية على تحقيق أهدافها الاستراتيجية العملياتية في أوكرانيا، والقوة الاقتصادية – السياسية للولايات المتحدة وأوروبا تشدد بالتالي خطواتها بهدف تحطيم الاقتصاد الروسي وتحويل روسيا إلى دولة منبوذة في الأسرة الدولية.
اختبار التصميم بين القوى سيقرر النتيجة بعيدة المدى للمعركة على شكل النظام العالمي وميزان القوى العالمي.

بالتوازي، فإن الحرب في أوكرانيا تؤثر بشكل مباشر على الاتفاق النووي في فيينا. فقد علقت محادثات النووي رغم أن الأطراف توصلت إلى صيغة نهائية وضعت على طاولة المفاوضات.
اشترطت روسيا التوقيع على الاتفاق النووي بضمانات من واشنطن بأن العقوبات التي فرضت عليها في أعقاب الحرب في أوكرانيا لن تمس التعاون المرتقب مع إيران بعد التوقيع. في سيناريو تواصل فيه روسيا صد التقدم إلى التوقيع على الاتفاق، ستضطر القوى العظمى وإيران إلى القيام بخطوات إبداعية لتحريك المفاوضات في ظل نقل الوظائف التي كانت بمسؤولية موسكو إلى لاعب آخر.
الولايات المتحدة مصممة على أن تنظف الطاولة وأن تزيل المسألة الإيرانية عن جدول الأعمال، بينما طهران تعترف بالإمكانية الاقتصادية الكامنة في الاقتصاد بالنسبة لها.
في هذا الوضع، لا يزال احتمال التوقيع على الاتفاق عاليا.

إن عودة إلى الاتفاق النووي ستسمح لإيران بأن تشكل لاعبا مهما في سوق الطاقة العالمية، ستصب مقدرات كثيرة في الاقتصاد المحلي تتيح تنمية بنى تحتية للدولة وتخفيض الضغط في الساحة الداخلية، تؤدي إلى استثمار في بناء القوة العسكرية، وتعظم قدرة طهران على الاستثمار في توسيع النفوذ الإقليمي وتعظيم القوى الموكلة في المنطقة بقدرات نارية متطورة.

في هذا الإطار لا يمنع الاتفاق مع إيران مواصلة تطوير قدرات نارية متطورة (مُسيرات انتحارية، صواريخ باليستية دقيقة)، لحماية المعرفة التي راكمتها في النووي لضعضعة استقرار الأنظمة السُنية وللاستثتمار في التموضع والتوسع للنفوذ في المنطقة.

منذ الآن، لا تخشى إيران استخدام القوة من خلال وكلائها أو بشكل مباشر ضد دول الخليج بل وحتى ضد الولايات المتحدة في سورية وفي العراق.

وهكذا، أطلقت إيران 12 صاروخا باليستيا نحو عدة أهداف في أربيل (12 آذار). وأخذ الحرس الثوري المسؤولية عن الهجوم الذي نفذ بزعمهم على قاعدة سرية لإسرائيل انطلق منها هجوم ست مُسيرات إسرائيلية على قاعدة عسكرية في محافظة كرمنوشا في إيران.
وفي الولايات المتحدة أكدوا الادعاء الإيراني بالعلاقة الإسرائيلية بالمبنى الذي هاجمه الحرس الثوري، وهكذا بررت عمليا انعدام الرد من جانبها حتى الآن.

وبقدر ما يكون هذا التقرير صحيحا فإن الحديث يدور عن قفزة درجة في المعركة الجارية بين إيران وإسرائيل.
واستمراراً للهجوم في أربيل نفذت إيران هجمة سايبر على مواقع حكومية إسرائيلية، وعرضت قدرة إضرار أخرى يمكنها أن تستخدمها في حالة تصاعد المعركة بين الدولتين.
لقد جاء الهجوم الإيراني لنقل رسالة ردع لإسرائيل مع الإيضاح بأن الحساب على مقتل ضابطين من الحرس الثوري في سورية لا يزال مفتوحا. وخدم الهجوم أهدافا أخرى: نقل رسالة للقيادة العراقية بأن عليها أن تأخذ بالحسبان مصالح طهران لدى تشكيل الحكومة الجديدة، تعزيز الردع الإيراني تجاه دول الخليج.

إضافة إلى ذلك، هز الهجوم صورة القوة الأميركية في المنطقة رغم أن الهجوم لم يوجه للقنصلية الأميركية التي توجد قرب الهدف. وغياب الرد الأميركي على خطوات القوة الإيرانية في المنطقة ضد حلفائها يعد كضعف وينضم إلى سلسلة أحداث وخطوات أحدثت شقوقا في العلاقات الاستراتيجية بين دول الخليج وإدارة الرئيس بايدن.

وهكذا، فان السعي الأميركي للتوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، رفضها الاعتراف بالحوثيين كمنظمة إرهاب، رفع مستوى العلاقات الاستراتيجية مع قطر واعتراف واشنطن بها كحليف استراتيجي، وبالمقابل الكتف الباردة التي تديرها الإدارة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أعقاب اعتباره مسؤولا عن قتل الصحافي الخاشقجي، كل هذا شدد التوتر في العلاقات مع اتحاد الإمارات والسعودية.

في هذا السياق اختارت أبو ظبي والرياض الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع موسكو والامتناع عن زيادة إنتاج النفط ووقف ارتفاع الأسعار التي وصلت في نقطة معينة إلى سعر أقصى بمقدار 139 دولارا للبرميل، وذلك رغم طلب واشنطن رفع سقوف الإنتاج. وجبت الضربة في العلاقات من واشنطن ثمنا ملموسا بالذات من جانب حلفائها الإقليميين في الخطوة الشاملة لعزل موسكو.
ستضطر الولايات المتحدة لأن تستثمر في ترميم علاقاتها مع دول الخليج في ضوء الأهمية المتصاعدة للشرق الأوسط في المنافسة الدولية مع روسيا والصين، ولكن في هذه المرحلة تؤثر أزمة الثقة مع القيادات المحلية على قدرتها على اتخاذ خطوات استراتيجية في المنطقة.
في سياق إسرائيل، فإن التفجر العام يتصاعد في الساحة الشمالية وحيال حماس.
فالتوتر بين إسرائيل وإيران ارتفع درجة في أعقاب مقتل ضابطي الحرس الثوري في الهجوم في سورية.
التقديرات لرد إيراني من سورية، إلى جانب التوتر المتصاعد مع حزب الله والذي يجد تعبيره في محاولات تسلل مُسيرات إلى الأراضي الإسرائيلية في الآونة الأخيرة يرفع مستوى التوتر في المنطقة. كما أنه يبدو أن المسألة الفلسطينية شطبت عن جدول الأعمال الدولي والإقليمي، ولا عجالة لاتخاذ خطوات في ضوء الجمود العام، الانقسام في الساحة الفلسطينية، وغياب طاقة إقليمية أو اهتمام أميركي/دولي للانشغال بالمسألة


.. إسرائيلياً

تنجح إسرائيل في تثبيت مكانتها كوسيط بين الطرفين في الحرب المتصاعدة في أوروبا دون أن تتحمل أثمانا في هذه المرحلة. ومع ذلك، فإن سياسة استيعاب اللاجئين الإسرائيلية تلحق ضررا استراتيجيا وتمس بصورة القدس في الساحة الدولية. إسرائيل ملزمة بأن تغير سياسة استيعاب اللاجئين من أوكرانيا سواء بسبب الحاجة الإنسانية – القيمية، أو بسبب الإثمان الاستراتيجية بعيدة المدى في الساحة الدولية.

على القدس أن تستنفد موقف الوساطة وألا تحطم الأواني مع روسيا في ضوء الخطر على حرية العمل في سورية، حتى المرحلة التي سيكون فيها هذا الموقف مناقضا للاستراتيجية والمصالح الأميركية.
الولايات المتحدة هي الحليف الاستراتيجي الأساس لإسرائيل وعلى القدس أن تصمم سياستها على أساس الحاجة للحفاظ على العلاقات الخاصة معها، حتى لو أدى الأمر إلى احتكاكات مع روسيا في المنطقة.

يلزم الاتفاق النووي الذي سيوقع بين الدول العظمى وإيران إسرائيل بالاستعداد في بناء قوة مناسبة تتيح للقدس قدرة عمل مستقلة في الدائرة الثالثة، إلى جانب توثيق علاقاتها الاستراتيجية مع دول المنطقة كي تبث قوة، تثبت الردع وتصد خطوات قوة من إيران.

 في هذا السياق أيضا، للحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة أهمية من الدرجة الأولى في ضوء الحاجة للحفاظ على التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي وتحسين التعاون الأمني – العسكري من خلال تعزيز التفوق الإسرائيلي.

عودة الحرب الباردة وتعاظم المنافسة الاستراتيجية مع روسيا والصين سيعيدان أهمية الشرق الأوسط إلى الاستراتيجية الأميركية وسلم أولويات مفهوم الأمن القومي لديها، في ضوء المصلحة الجغرافية – الاستراتيجية، الأمنية والمتعلقة بالطاقة. يشكل هذا الوضع فرصة لتثبيت ذخائر ومكانة القدس في النظرة الأميركية العامة للمنطقة.

إضافة إلى ذلك، إسرائيل مطالبة بأن تصمم استراتيجية أمنية إقليمية مع الولايات المتحدة والمعسكر السُني (دول الخليج، مصر والأردن)، في ظل تأكيد التزام واشنطن من خلال توثيق التعاون العملياتي والاستخباري وتعزيز منظومات الدفاع الإقليمية.

يوجب التفجر المتصاعد حيال إيران والساحة الفلسطينية تقديرات مناسبة ولكن في إطار الفهم بأن الاهتمام العالمي يتركز على الأزمة في أوكرانيا.

الولايات المتحدة ستطلب من إسرائيل الامتناع عن خطوات تصعيدية في المنطقة، والقدس مطالبة بأن تفحص كيف «تخفض اللهيب» من جهة على أن تبقي قدرتها على العمل دون مستوى التصعيد تجاه خطوات إيران في سورية ولبنان، وحماس في القطاع وفي الضفة.