كمائن العتمة

كمائن العتمة

نابلس- لم يغمض جفن الشاب حمزة عواد منذ أكثر من 12 ساعة، بعدما نجا برفقة صديقه أحمد نشأت من الموت بأعجوبة، من هجوم وحشي شنه مستوطنون عليهما، خلال عملهما بنقل الدواجن في المنطقة الجنوبية من بلدة قصرة جنوب نابلس، الليلة الماضية.

كانت الساعة قرابة التاسعة مساء، عندما وصل السائق أحمد نشأت بشاحنته برفقة عواد لمزرعة الجبعي القريبة من مستوطنة "مجدوليم" المقامة على أراضي المواطنين في البلدة، وما أن أنهيا تحميل الدواجن وخرجا من المزرعة لمسافة قرابة 10 أمتار حتى تنبه عواد لعشرات المستوطنين يكمنون بالعتمة على جبل مطل.

حاول نشأت العودة للمزرعة بالرجوع بشاحنته للخلف، إلا أن باب المزرعة الكهربائي كان مغلقا فارتطم بجدراها، فسارع لينبه حارس المزرعة المحاطة بسور يصل ارتفاع جزء منه سبعة أمتار بزامور الشاحنة لفتح الباب، إلا أن المستوطنين تمكنوا من حصار المركبة.

ويروي نشأت: تركت محرك الشاحنة يعمل وهربت إلى داخل المزرعة بعدما فتح الحارس قرابة نصف متر من مدخلها، فيما بقي صديقي عواد داخل المركبة، وبدأت بضرب الحجارة على الشاحنة لمنع المستوطنين من الاقتراب منها لمدة تجاوزت خمس دقائق.

ويتابع: لكن لم أصمد طويلا بعدما بدأ نحو 30 مستوطنا مهاجمتي من أعلى الجبل فوق جدار المزرعة المرتفع سبعة أمتار، واضطررت للدخول إلى غرفة الحارس التي حوصرنا داخلها لمدة تجاوزت 80 دقيقة.

وبينما كان نشأت برفقة الحارس يشاهدان عبر كاميرات المراقبة حرق المستوطنين الشاحنة المحملة بالدواجن، كان الرعب يخيم عليه خشية على صديقه عواد الذي اعتقد أنه ما زال محاصرا داخلها.

ويشير نشأت إلى أنه اتصل بأهل بلدة قصرة لنجدتهم من هجوم المستوطنين، إلا أنهم لم يتمكنوا من الوصول إليهم إثر إطلاق المستوطنين الرصاص الحي على كل من يحاول الاقتراب.

"نجوت من موت محتم، وعشت أكثر من ساعة من الرعب على صديقي، حتى اختفى المستوطنون فجأة، سارعت للمركبة ولم أجرؤ على الوصول إليها كوني متيقن أن كارثة حصلت لصديقي عواد، لكن جاءت البشارة من أحد المواطنين بأن عواد قد غادر المركبة لحظة هجوم المستوطنين" يضيف نشأت.

ويؤكد أن الجيش كان يراقب اعتداء المستوطنين ولم يحرك ساكنا، بل أطلق الرصاص على الأهالي الذين حضروا لنجدتنا.

ومنذ 13 عاما يعمل نشأت ببيع الدواجن، وقبل ثمانية أيام تمكن من شراء الشاحنة لتوسعة أعماله بهذا المجال، ولم يسدد ثمنها البالغ 50 ألفا حتى الآن، حيث قطع المستوطنون مصدر رزقه الوحيد، وفق قوله.

ويصف الشاب حمزة عواد، ما جرى الليلة الماضي: "ليلة لا تنسى لم يغمض لي جفن طوال الليل، لا أدري كيف نجوت من الموت، مستوطنون يفوق عددهم المئات يركضون خلفي ويطلقون الرصاص نحوي وأنا أركض على مدار نصف ساعة حتى تمكنت من الهرب بعد القفز عن سياج أحد الأراضي".

ويشير إلى أنه بعدما هرب زميله نشأت من المركبة إلى داخل المزرعة، فتح مستوطن الباب من جهته، فضربه بقدمه وهرب من الباب الآخر بجانب السائق، وسارع إلى الهروب بالعتمة بين الصخور والأشجار فيما يلاحقه المستوطنون بالرصاص، حتى تمكن من الوصول للجبل المقابل.

"فلم رعب، طوال الليل أتخيل أن المستوطنين يركضون خلفي ويطلقون الرصاص علي"، يضيف عواد.

وأصيب شابان بالرصاص الحي بالقدم، مساء أمس الأربعاء، خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة قصرة، عقب هجوم المستوطنين.

وأحرق المستوطنون بركس مغلق بشكل كامل وآخر بشكل جزئي ما أدى لنفوق 30 ألف طير من الدواجن، إضافة إلى شاحنة المواطن أحمد نشأت، وكذلك إحراق أعمدة كهرباء على الطريق الواصل بين قصرة وجالود.

ويقول المواطن عصام عبد القادر حجاز صاحب المزرعتين التي أحرقهما المستوطنون، إن المزارع مقامة على مساحة ألف متر مربع وهي بركسات دواجن مغلقة، وتدار بنظام محوسب، أقامها برفقة خمسة شركاء عام 2019.

ويشير إلى أن المستوطنين حاصروا الحارس الذي يعمل بالمزارع داخل غرفة الحراسة، ما اضطره للتسلق على سطح البركسات والقفز عنها للهرب، ما أدى لإصابته برضوض ونقله للمستشفى، فيما أقدم المستوطنون على إحراق غرفة التحكم المكونة من طابقين وبركس بشكل كامل.

ويقدر حجم الخسائر التي لحقت به وشركائه مليوني شيقل، مشيرا إلى أنها ليست المرة الأولى التي يهاجم بها المستوطنون البركسات، فقد تكبد العام الماضي خسائر بلغت 70 ألف شيقل جراء اعتداءات المستوطنين.

ويطالب حجاز المؤسسات الدولية والرسمية بضرورة التحرك العاجل لإنقاذ المشروع، التي يعتاش منه 10 عائلات يعملون بالمزارع.

ويؤكد رئيس بلدية قصرة هاني عودة، أن البلدة تتعرض لهجمة استيطانية غير مسبوقة، حيث يحاصرها التغول الاستيطاني من ثلاث جهات، الجنوبية بؤرتي "ايش كودش وراحيل"، والشرقية نصب المستوطنون معرش ومقاعد على تلة إحدى الجبال للتنزه، والشمالية مستوطنة "مجدوليم"، وجميعها تضم غلاة المستوطنين المتطرفين بالضفة الغربية.

وينوه إلى أن البؤر الاستيطانية والمستوطنات تمتد من الساوية واللبن الشرقية مرورا لقريوت وجالود وقصرة حتى جبل صبيح وزعترة، مشكلة خطا استيطانيا يهدف لتقسيم شمال الضفة الغربية عن وسطها، وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها إلى كانتونات معزولة، وقطع التواصل فيما بينها ضمن مخطط صهيوني قديم.

ويؤكد مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية غسان دغلس، أن المستوطنين نفذوا ألف اعتداء منذ بداية العام الجاري بالضفة الغربية، تركزت بمحافظة نابلس والخليل وبيت لحم وسلفيت وشمال رام الله.

ويوضح أن الاعتداءات تنوعت بين تكسير للمركبات وإحراق للأشجار والممتلكات وإطلاق الرصاص الحي ما أدى لاستشهاد مواطنيين، إضافة إلى إصابة مئات المواطنين جراء تلك الاعتداءات.

ويشير دغلس إلى أن ما حدث في قصرة يوم أمس مثل "حرب التتار"، حيث تجمع مئات المستوطنين من عدة بؤر ومستوطنات مقامة على أراضي جنوب نابلس وهي "ايش كودش، راحيل، شيلو، عيليه، مجدوليم"، وبدأوا بالهجوم على المنطقة الجنوبية بالقرية.

وجوبهت جهمات المستوطنين تلك بصحوة الأهالي في القرى والمناطق المستهدفة عبر لجان الحراسة ومكبرات الصوت بسماعات المساجد، كما الحال بقصرة يوم أمس حيث هب أهالي البلدة والقرى المجاورة لصد الهجوم، وفق ما يؤكد دغلس.

عن (وفا)