وائل واسامة جودة أول ضحايا سياسة "تكسير العظام" الاسرائيلية بحق الفلسطينيين في انتفاضة الـ 1987
الساعة العاشرة والنصف طرق باب المنزل، صرخ "عاد وائل، عاد وائل"، الأب الذي غفى لحظات بعد أن أغرق وسادته بالدموع التي سالت حزنا على استشهاد نجله، قال لنفسه: "لقد جن الولد"، لينهض ويرى الجنون قد أصبح حقيقة، فها هو نجله وائل ( 16) عاما حيٌ يرزق، يدخل مشياً على قدميه لا محمولاً على الأكتاف كما أفترض الجميع.
عصر الجمعة الموافق (26) شباط 1988، بعد ثلاثة اشهر من ادلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى، وأثناء عودة وائل وأسامة جودة من رعي الأغنام، لاحقهم عدد من جنود الاحتلال قرب قريتهم عراق تايه شرق نابلس، ليكونوا أول من مورست بحقهمسياسة تكسير عظام الفلسطينيين والمتظاهرين لإخماد الانتفاضة بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه اسحاق رابين.
عدسة موشي ألبرت المصور الصحفي في تلفزيون "سي بي أس"، وثقت بسرية اعتداء جنود الاحتلال على وائل وأسامة، والذي استمر ما يقارب (30 دقيقة)، وبعد ساعات قليلة تم نشر الفيديو ليفضح سياسة قوات الاحتلال الاجرامية ويطلق هبة دولية وحقوقية مناصرة للفلسطينيين.
وائل جودة (45 عامًا) روى بعد مرور (29) عاما على تنفيذ الاعتداء بحقه وابن عمه أسامة جودة الذي كان طالبا في قسم الكمبيوتر بحامعة القدس والتي اغلقت كبقية الجامعات بقرارات عسكرية، قائلاً، “كنا عائدين من رعي الأغنام، حيث بدأ جنود الاحتلال بملاحقتنا اعتقادا منهم أننا من ألقى الحجارة عليهم، اعتقلوني وبعد (10) أمتار اعتقلوا أسامة”، زانهالوا علينا بالضرب، ثم بدؤوا بمحاولة تكسير ايدينا بالحجارة، دون مرعفتنا بأن هناك من يصور الحادثة.
ويقول وائل، "كان الضرب موجعا ثم تخدر جسمي ولم أعد أشعر بشيء، ولكن أكثر ما أوجعني عندما ضربني الجندي بقدمه على صدري، وبقيت وقتا طويلا وأنا أعاني من آثار الضربة"، مشيرًا إلى أنه وبعد اقتراب نساء القرية للمنطقة لإنقاذهما، قام جنود الاحتلال بنقلهما في مركبة عسكرية إلى سجن الفارعة في مدينة نابلس.
لم يتوقع وائل وأسامة الخروج من السجن قبل مرور سنوات طويلة، وكل ما يدور في ذهنيهما فقط "كم سنقضيان في سجون الاحتلال وكيف؟" وها هو الألم يستيقظ مجددا في أطرافهم بل في كل جسدهم.
يضيف وائل: الساعة السابعة مساء، السجان ينادي على وائل وأسامة لينقلهما بمركبة عسكرية إلى مركز الاعتقال، ليكون بانتظارهم هناك قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي عمران متسناع، والذي طرح أول سؤال على وائل، "أنت كنت ترتدي قميص أخضر؟"، وائل أجاب بنعم رافعا قميصه الذي حصل عليه من أحد الأسرى ليتأكد متسناع أن وائل وأسامة هما من تم الاعتداء عليهما، وهاهما ما زالا على قيد الحياة.
استقبال غريب للفيتيين المنهكين، اللذين توقعا أن مرحلة جديدة من الضرب والتعذيب ستكون بانتظارهم، إلا أنهما وجدا نفسيهما في غرفة دافئة، الجنود يعاملوهما معاملة لطيفة، وعناصر شرطة الاحتلال يجمعون أقوالهم عن الاعتداء عليهما.
لم يعلم بعد وائل وأسامة أن العالم بأكمله شاهد الاعتداء عليهما، لم يعلما أن انتفاضة شعبية جديدة قامت بالخارج غضباً لما حل بهما، ولم يعلما بعد أن أهالي القرية قمعوا بالقنابل الغازية والرصاص أثناء محاولتهم اقتحام مركز الاعتقال وإعادتهما.
يقول وائل، "كان في الغرفة مع متسناع عدد من الصحفيين الذين أجروا مقابلات معنا، وما أن انتهوا حتى أخبرونا بقرار الإفراج عنا، لم نصدق وقلت لأسامة سيعتقلوننا مجددا ما أن يذهب الصحفيين"، إلا أن الفتيين وصلا منزليهما في قريتهما عراق التايه، ليعرفا بتوثيق الاعتداء عليهما وكيف كان ذلك سببا بالإفراج عنهما.
صباح اليوم التالي نقل وائل وأسامة إلى المشفى، ليتم الكشف عن فظاعة ما حل بجسديهما من رضوض وكدمات، يعلق وائل، "الأحجار كانت رحيمة علينا ولم تسبب لنا كسور، فقط رضوض وكدمات وأوجاع"، فيما اسامة قال "الحمد لله لم تهشم عظامنا وذلك بفضل الله وزيت الزيتون الذي نأكله" إلا أن الاعتداء لفت الإعلام الدولي والعربي للانتفاضة الفلسطينية، فأكثر من شهرين وقصة وائل وأسامة تتصدر عناوين وسائل الإعلام، بعد اجراء عشرات المقابلات الصحفية للتعليق على الحادث.
"الحادث كان عاديا بالنسبة للفلسطينيين في حينها، فالجنود والمستوطنين كانوا يشنون اعتداءات إجرامية أكثر، ولكن المختلف في هذا الاعتداء أن عدسة الإعلام وثقته ونقلته للعالم"، يقول جودة.
ويروي جودة أنه في عام 1985 تعرض لحادثة أكثر خطورة، حيث اختطفه مجموعة من المستوطنين أثناء عودته من المدرسة في محاولة لقتله لولا تدخل شرطة الاحتلال التي خلصته ونقلته إلى مراكز الاعتقال، لافتا إلى أن كثير من الفلسطينيين تم اختطافهم وضربهم وقتلهم على أيدي المستوطنين دون أن يحرك العالم ساكنا.
إثر الحادثة التي فضحت سياسة "بتكسير العظام" عقدت الجامعة العربية اجتماعا عاجلا لبحث تطورات الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فيما صرح الرئيس الليبي معمر القذافي أنه متكفل بعلاج وائل وأسامة وتوفير السكن والدراسة لهما في ليبيا.
ويجدر بالذكر أن الصحفي ألبرت أعتزل تغطية الأحداث السياسية والحروب بعد إصابته بصدمة نفسية إثر رؤيته الاعتداء على وائل وأسامة، وانتقل لتصوير الطبيعة والحيوانات.
ويتابع وائل، “مؤخرا عرضت علينا القناة الاسرائيلية العاشرة الاجتماع مع الجنود الذين اعتدوا علينا إلا أن الجنود رفضوا، لافتا إلى أن الإعلام الأجنبي والإسرائيلي ما زال حتى يومنا يسلط الضوء على الحادثة".
وأضاف، "أهدي هذا الوسام كل يوم أحيا فيه للشهداء والجرحى والأسرى وللمسجد الأقصى، خاصة أنه واقعنا الفلسطيني أختلف كثيرا عن الماضي وباتت فيه الخيانة مجرد وجهة نظر".
عن موقع "بلاطة البلد" بتصرف