نابلس .. تحديث حالة الحياة الأصعب!

نابلس .. تحديث حالة الحياة الأصعب!

نابلس- حين اختار شداد عبد الحق، العودة إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية تحت ضغوط عائلته ليعيش في كنفها، بعد سنوات قضاها في دول الخليج يعمل في قطاع الصناعة الدوائية، كان من الصعب عليه أن يرى شكل حياته هنا بعد سنوات قليلة.

في العقدين الأخيرين من عمره، اكتشف عبد الحق (39 عاماً)، وهو دكتور صيدلاني يعمل الآن في قطاع توريد وصناعة الأدوية، أشكالا مختلفة للحياة بين مدينتي نابلس ورام الله، المرتبطتين بحضور آلاف الموظفين والعاملين صباحا وانصرافهم مساء، من خلال عبور طريق هو منذ الجولة الأخيرة من الهجمات الاسرائيلية، أكثر الطرق صعوبة بالعبور في عمق الضفة الغربية.

وتشهد نابلس وهي من كبريات المدن الفلسطينية، وتحيط بها مجموعة كبيرة من القرى حصارا تفرضه قوات الاحتلال منذ نحو أسبوعين، حصارا عسكريا، يذكر سكانها بما حصل تاريخيا من حالات حصار مشابهه، ما زالت تفاصيلها عالقة بأذهانهم.

قال عبد الحق، الذي اعتاد خلال السنوات الماضية على السفر خمسة أيام من الأسبوع إلى مركز عمله في رام الله " كل شيء تغير فجأة. (..) الآن مسارات الطرق المعتادة تغيرت".

في الصباح، عندما يحين موعد انطلاق عبد الحق، وغيره هذه الأيام، وقد يصل عددهم إلى آلاف يستقلون مركباتهم على طريق تاريخي معبد يصل مدينة نابلس برام الله، لا بد من مواجهة البوابات الحديدية والسواتر الترابية ومجموعات من جيش الاحتلال تغير بين لحظة واخرى خطة السير العادية.

ويسخر عبد الحق الذي يستقل مركبته الخاصة، منذ سنوات، من فكرة تغير جغرافيا الطرق حول مدينة نابلس في اليوم الواحد، مرات عديدة.

لا يمكن لكثيرين من السكان الاعتماد على فكرة أن هناك طريقا سالكة أمامهم، أو مغلقة، فبالنسبة لعبد الحق" هذا أمر غيبي". وتنفرج ابتسامة الشاب، عندما يقول، اليوم (الأحد) وصلت إلى مكان عملي في وقت مناسب.

اعتمادا على ما حصل خلال الأيام الماضية، بالإمكان الوصول إلى رام الله في وقت مناسب، لكن احتمالات العودة قد تمتد إلى ساعات منتصف الليل.

وعلى الذين يريدون التحرك إلى عملهم أن يعدوا أنفسهم جيدا للمبيت أحيانا في بعض القرى الواقعة على طريق نابلس رام الله، إذا ما اغلقت الطرق امامهم بشكل مفاجئ.

إن حجم الاخبار الواردة عبر مجموعات "واتس اب" متخصصة في بعض القطاعات المهنية، والاخرى الشعبية، تظهر حالة الارباك التي تخيم على مدينة نابلس.

فهناك الكثيرون الذين غيروا خططهم اليومية مرات عديدة في يوم واحد.

ذاته، عبد الحق، وآخرون يعملون في مناطق خارج المدينة، اضطروا الى التزام منازلهم، لرؤية الى أين تتجه الأوضاع الأمنية على مدار الأسبوع الماضي.

بعض الذين جازفوا وخرجوا الى أعمالهم ويعملون في قطاعات طبية تعرضوا للضرب اما من جنود الاحتلال او المستوطنين، مثل طبيب وأخرى ممرضة يعلمون في مستشفيات حكومية.

من على بعد تظهر ساعات النهار هادئة نسبيا في مركز المدينة التي يعتمد سكانها على العمل بالتجارة واستقطاب المتسوقين من خارجها، فأسواقها الممتدة والمتنوعة تأثرت إلى حد كبير بما يجري في محيطها من عمليات عسكرية.

امام ناظري عبد الحق، وسائقي مركبات عمومية يظهر كل هذا بصورة واضحة.

كان هناك المئات من الفلسطينيين الذين اضطروا خلال الايام الماضية الى الانتظار ساعات طويلة، لقراهم خاصة في شرق وغرب نابلس، وعادت مشاهد المركبات التي تصطف على الحواجز لوقت طويل، لتظهر في الصور التلفزيونية وفي الحديث الشعبي والسياسي الفلسطيني.

في نيسان عام 2002 شهدت المدينة اطول وأقسى شهور الحصار، عندما أطبق جيش الاحتلال بشكل كلي على نابلس وعدد من المخيمات في اطرافها وعزلها بشكل نهائي عن الجغرافيا الفلسطينية، وهو ما يخشاه اليوم سكانها.

كان عبد الحق في ذلك العام، شابا في (19 عاما)، وقد شهد على تلك الطوابير البشرية التي تصطف على الحواجز في محاولة للوصول الى الخدمات الانسانية الاساسية في المدينة وخارجها.

لكنه ما لبث واعتقل لدى الاحتلال الاسرائيلية.

مرت عشرون عاما على ذلك المشهد، الذي يتكرر اليوم، لكن بفوارق استطاع من خلال الفلسطينيين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الالتفاف على ذلك الحصار، فبعض الموظفين والعاملين وطلاب الجامعات تحرروا من الزامية الحضور الى اماكن عملهم وتعليمهم واستعاضوا عنها ببرامج الواقع الافتراضي.

إن هناك آلاف الحيوات الشبيهة بحياة عبد الحق، تحاول هذه الايام التأقلم مع التغييرات التي تحصل على الارض، لكن واقع الحصار على المدينة ماثل امامهم جميعا.

واقفين او جالسين داخل مركباتهم، التي تتحرك ببطء ينتظر المئات من سكان قريتين من شرق نابلس هما بيت دجن وبيت فوريك، الوصول الى اماكن عملهم، لكن عليهم أن يثبتوا أن بطاقات هويتهم تحتوي على خانة السكن في تلك القرى.

في الماضي القريب ابان الانتفاضة الفلسطينية الثانية شهد سكان الضفة الغربية هذا النوع من الاجراءات الذي كان فيه الانتقال من مكان الى مكان على خانة السكن في بطاقة الهوية.

بالنسبة لعبد الحق، لم يختبر هذا الاجراء بعد، لكن هناك مخاوف لدى الكثيرين من اتساع رقعة الحصار المفروض على بعض القرى في أطراف المحافظة القريبة من شوارع المستوطنين.

في القرى الجبلية في محيط نابلس، المخاوف تزداد يوميا مما يحمله الليل، بعد هجمات شنها المستوطنون على بعض المنازل واخرى على مدارس.

وأمكن مشاهدة صور لإحدى المدارس، التي اشتعلت فيها النار بعد هجوم للمستوطنين تحت جنح الظلام.

لكن على مدار 24 ساعة شهدت بلدات مثل حوارة وهي البلدة المركزية في مواجهات الايام الماضية بين المواطنين والمستوطنين اياما عصيبة في الدفاع عن ممتلكاتهم.

يجد الفلسطينيون هذه الأيام أنفسهم أمام خيارات كثيرة للدفاع عن أنفسهم من تلك الهجمات، فلولا بعض العصي والحجارة التي لوحوا باستخدامها، لا أحد منهم يعلم، كما يقولون الى أي مدى من الخسائر في الأرواح والممتلكات التي قد يدفعونها بسبب تغول المستوطنين وهجماتهم.

ذاته، عبد الحق، وهو ابن لأستاذ جامعي واجه تلك الحيرة، عندما عاش بضع سنوات خارج فلسطين. يقول " كانت أكبر مخاوفي عند التفكير في العودة الى العائلة في نابلس هو هل يمكن أن أعيش حياة طبيعية؟".

يقول "اليوم ندفع ثمن العودة على الطريق الى مكان العمل، واليوم نتحايل على الحياة لنعيش فقط".

في حوارة أسفر الهجوم المتواصل للمستوطنين عن إصابات بين المواطنين وتحطيم زجاج المنازل والمحلات والمركبات.

في مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر الفيديو الأكثر تداولا، لمستوطن ينزل من سياراته ويحمل رشاشا أوتوماتيكيا ويطلق النار بشكل عشوائي تجاه المنازل يوم الجمعة، وهو اليوم الذي شهد اقسي الهجمات على البلدة.

غدت نابلس وقراها وحتى محيطها البعيد، علامة من علامات تحديث الحالة عبر "واتس اب". فقد وجد الفلسطينيون فيه مركز استعلامات سهل الوصول اليه لمعرفة حالة حياتهم ومسيرتهم اليومية... وهناك سلسلة من الطرقات التي تتغير حالتها من دقيقة الى اخرى يمكن استطلاعها عشرات المرات يوميا وهو ما بات يعرف بـ: تحديث حالة الطرق في نابلس.

يقول آخر تحديث شفوي للحالة في بلدة حوارة، إن الوضع هادئ صباح اليوم، لكن عبد الرحمن الضميدي وهو شاب في مقتبل عمره، ويدرس الصحافة في إحدى جامعات نابلس، واعتاد على تحديث حالة بلدته (حوارة) عبر "واتس اب" " الآن كل شيء هادئ. لكن من يعرف ماذا يحصل بعد دقيقة (...). الخميس والجمعة الماضيين بدأ النهار هادئا، لكن الكل رأى كيف انتهى".

عن (وفا)